في لبنان، يمثل الاهتمام بالصحة النفسية تحديًا كبيرًا، خاصةً مع نقص الموارد والتحديات الاجتماعية. زيارة البابا فرانسيس المرتقبة لمستشفى الدير للرعاية النفسية في جل الديب، شمال بيروت، في الثاني من ديسمبر، تحمل بارقة أمل وتقدير للمرضى والعاملين الذين غالبًا ما يواجهون التهميش والإهمال. هذه الزيارة التاريخية تسلط الضوء على أهمية الرعاية النفسية في لبنان والوضع الإنساني الصعب الذي يمر به هذا القطاع.
مستشفى الدير: صرحٌ للرعاية في ظلّ الأزمات
تأسس مستشفى الدير عام 1952، وهو يمثل أحد القلائل من مؤسسات الرعاية الصحية النفسية في لبنان. يديره رهبان من الطائفة الفرنسيسكانية، ويقدم الرعاية لحوالي 800 مريض. يواجه المستشفى، شأنه شأن الكثير من المؤسسات في لبنان، تحديات جمة بسبب الأزمات المتتالية التي تشهدها البلاد، بما في ذلك الأزمة المالية، وجائحة كوفيد-19، والأحداث الأمنية الأخيرة.
تعتبر الصحة النفسية في لبنان موضوعًا محاطًا بالوصمة، مما يزيد من صعوبة وصول المرضى إلى الخدمات التي يحتاجونها. بالإضافة إلى ذلك، تعاني المستشفيات الحكومية من نقص حاد في التمويل والموارد، مما يترك العبء الأكبر على المؤسسات الخاصة وغير الربحية مثل مستشفى الدير.
تحديات التمويل والاعتماد على “القدرة الإلهية”
الأزمة المالية اللبنانية أفرغت خزينة الدولة، ووصل الدعم المقدم للمستشفى إلى حدوده الدنيا. حاليًا، تقدم الدولة اللبنانية 15 دولارًا يوميًا لكل مريض، في حين أن تكلفة الرعاية الكاملة للمقيم الواحد تصل إلى 75 دولارًا يوميًا. هذا الفارق الهائل يضع المستشفى في موقف لا يُحسد عليه.
تصف الأخت روز حنا، العاملة في المستشفى، الوضع بأنه “معجزة”. وتقول: “كيف ننجح في الاستمرار؟ لا أعرف. نحن نعيش بمعجزة.” هذه الكلمات تعكس الإيمان العميق والعزيمة القوية التي يتمتع بها العاملون في المستشفى، بالإضافة إلى اعتمادهم الكبير على التبرعات والمساعدات الخارجية. الوضع المالي يمثل ضغطًا مستمرًا على الموارد، مما يؤثر على جودة الرعاية المقدمة للمرضى.
زيارة البابا: دفعة معنوية ورسالة أمل
زيارة البابا فرانسيس إلى مستشفى الدير ليست مجرد حدث ديني، بل هي أيضًا رسالة قوية للمجتمع اللبناني حول أهمية الاهتمام بالفئات المهمشة. يعرب العاملون والنزلاء عن سعادتهم الغامرة بهذه الزيارة، التي يرونها اعترافًا بوجودهم وتأكيدًا على كرامتهم الإنسانية.
يقول الدكتور شانتال سركيس، نائب منسق الزيارة: “إنها رسالة من المرضى بأنهم موجودون، وأنهم لا يزالون هنا، ويمكن رؤيتهم وسماعهم.” وتابعت أن الزيارة ستشجع على كسر الحواجز النفسية والاجتماعية التي تحيط بالمرضى العقليين.
الاستعدادات للزيارة: لمسة جمالية وروحانية
يشهد المستشفى استعدادات مكثفة لاستقبال البابا فرانسيس. بدأت أعمال الطلاء والتجديد، ويتدرب حوالي 50 مريضًا على أداء ترانيم دينية خلال الاستقبال. الأجواء العامة في المستشفى مليئة بالأمل والفرح.
الأم ماري مخلوف، من راهبات الفرنسيسكان، أكدت أن الراهبات مستعدات لاستقبال البابا “بتواضع كامل”. وأضافت: “هذه النعمة التي تأتي إلينا ستحتضننا وتغيرنا وتجعلنا نشعر بأننا لسنا مهمشين في وقت كنا فيه في أمس الحاجة إلى الدعم.” وشددت على أن البابا يأتي ليقول لهم إن “ما تفعلونه هو أمر مقدس”.
مستقبل الرعاية النفسية في لبنان: نحو تغيير حقيقي
على الرغم من التحديات الهائلة، يظل مستشفى الدير شعلة أمل للعديد من المرضى وعائلاتهم. زيارة البابا فرانسيس تساهم في تسليط الضوء على الحاجة الماسة إلى تحسين الخدمات النفسية في لبنان وتوفير الدعم اللازم للمؤسسات العاملة في هذا المجال.
من الضروري العمل على:
- زيادة الوعي بأهمية الصحة النفسية وتقليل الوصمة المرتبطة بالأمراض النفسية.
- توفير التمويل الكافي للمستشفيات والمراكز المتخصصة في الرعاية النفسية.
- تدريب المزيد من الكوادر المتخصصة في مجال الصحة النفسية.
- دمج الرعاية النفسية في نظام الرعاية الصحية الشامل.
في الختام، إن زيارة البابا فرانسيس لمستشفى الدير ليست مجرد مشهد مؤثر، بل هي دعوة مجتمعية للعمل على تحسين وضع الرعاية النفسية في لبنان وتوفير حياة كريمة وكاملة لجميع الأفراد، بغض النظر عن ظروفهم الصحية. ندعو الجميع إلى التفاعل مع هذه القضية الهامة وتقديم الدعم اللازم للمؤسسات والأفراد الذين يعملون على توفير الرعاية الصحية النفسية في لبنان.

