تُعد قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي من أكثر القضايا إثارة للجدل على الصعيد الدولي. وآخر التطورات المتعلقة بهذه القضية، هي تقديم أرملة خاشقجي، هـنان العتر خاشقجي، شكوى قانونية في فرنسا، تتهم فيها المملكة العربية السعودية باستخدام برنامج تجسس إسرائيلي، “بيغاسوس”، لسرقة بيانات من هواتفها قبل مقتل زوجها. هذه القضية تلقي الضوء على المخاوف المتزايدة بشأن المراقبة الرقمية وانتهاكات الخصوصية، وتحديداً استخدام برامج التجسس ضد الصحفيين والمعارضين.

شكوى أرملة خاشقجي في فرنسا: اتهامات خطيرة بالتجسس

قدمت هـنان العتر خاشقجي، عبر محاميها، شكوى رسمية إلى السلطات القضائية الفرنسية، تزعم فيها أن بياناتها الشخصية قد سُرقت من هواتفها باستخدام برنامج “بيغاسوس” الذي طورته شركة NSO Group الإسرائيلية. وتزامن هذا الاختراق، وفقاً للشكوى، مع فترة إقامتها المتكررة في فرنسا بصفتها مضيفة طيران، ومع استجوابها في مطار في الإمارات العربية المتحدة، وهي حليف وثيق للمملكة السعودية.

وتشير الوثائق التي حصلت عليها وكالة فرانس برس إلى أن هواتفها قد أُصيبت بالبرنامج الضار في أبريل 2018، أي قبل أشهر قليلة من اغتيال جمال خاشقجي في قنصلية المملكة السعودية في إسطنبول في أكتوبر من نفس العام. يعتبر “بيغاسوس” من أقوى برامج التجسس المتاحة، حيث يتيح الوصول إلى الرسائل والمكالمات والصور وحتى تشغيل كاميرا وميكروفون الهاتف عن بعد.

برنامج “بيغاسوس”: سلاح رقمي مثير للجدل

“بيغاسوس” ليس اسماً جديداً في عالم الأمن السيبراني. فقد أثار هذا البرنامج جدلاً واسعاً بسبب استخدامه المزعوم للتجسس على نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين والمعارضين السياسيين في جميع أنحاء العالم. في عام 2022، كشفت منظمة العفو الدولية عن وجود 11 حكومة على الأقل تستخدم برنامج “بيغاسوس” لاستهداف أفراد.

وتكمن خطورة هذا البرنامج في قدرته على اختراق الهواتف الذكية دون علم أصحابها، مما يجعله أداة قوية في يد الحكومات التي تسعى إلى مراقبة معارضيها وقمع الحريات. وقد أدى ذلك إلى دعوات متزايدة لفرض قيود على بيع واستخدام هذه التقنيات، وضمان حماية حقوق الإنسان في العصر الرقمي.

العلاقة المحتملة بين التجسس واغتيال خاشقجي

يرى محامو هـنان العتر خاشقجي أن هناك رابطاً وثيقاً بين اختراق هواتفها واستخدام المعلومات التي تم الحصول عليها في التخطيط لاغتيال زوجها. وفي بيان مشترك، صرحا بأنه “من غير المعقول عدم إقامة صلة بين هذا الاعتراض (على المعلومات) والأفعال التي أدت إلى مقتل زوجها”.

هذا الرأي يتوافق مع تقييم استخباراتي أمريكي صدر في عام 2021، خلص إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أمر بالعملية التي أدت إلى مقتل خاشقجي. وقد تم اغتيال خاشقجي وتقطيعه إلى أشلاء داخل القنصلية السعودية في إسطنبول. على الرغم من هذه التقييمات، إلا أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب دافع بقوة عن الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته الأخيرة لواشنطن.

التداعيات القانونية المحتملة

الآن، الأمر متروك للسلطات القضائية الفرنسية لتقرر ما إذا كانت ستبدأ تحقيقاً في الشكوى المقدمة من أرملة خاشقجي. إذا قررت المحكمة المضي قدماً في التحقيق، فقد يؤدي ذلك إلى استدعاء مسؤولين سعوديين للإدلاء بشهاداتهم، وقد يفتح الباب أمام المزيد من الكشف عن الحقائق المتعلقة بهذه القضية.

وتأتي هذه الشكوى في أعقاب قرار قضائي أمريكي في أكتوبر الماضي بإصدار أمر قضائي يمنع شركة NSO Group من استهداف مستخدمي تطبيق WhatsApp. كانت الدعوى القضائية، التي رفعت في أواخر عام 2019، تتهم الشركة بالتجسس السيبراني على الصحفيين والمحامين وناشطي حقوق الإنسان وغيرهم من مستخدمي التطبيق المشفر. التجسس على هذا النطاق يثير تساؤلات جدية حول حدود المراقبة الحكومية وحقوق الخصوصية.

أهمية القضية وتأثيرها على حرية الصحافة

تعتبر قضية خاشقجي بمثابة تذكير مؤلم بالمخاطر التي يواجهها الصحفيون والمعارضون السياسيون في جميع أنحاء العالم. إن استخدام برامج التجسس مثل “بيغاسوس” لتهديدهم ومراقبتهم يقوض حرية الصحافة ويؤثر سلباً على الديمقراطية وحقوق الإنسان. حقوق الإنسان يجب أن تكون محمية، حتى في مواجهة التحديات الأمنية.

إن التحقيق في هذه الشكوى في فرنسا يمثل فرصة مهمة لإلقاء الضوء على هذه الممارسات الخفية ومحاسبة المسؤولين عنها. كما أنه يسلط الضوء على الحاجة إلى وضع قوانين دولية تنظم بيع واستخدام برامج التجسس، وتضمن حماية حقوق الأفراد في الخصوصية والأمن. الأمن السيبراني أصبح قضية عالمية تتطلب تعاوناً دولياً لمواجهتها.

في الختام، تثير شكوى أرملة جمال خاشقجي في فرنسا أسئلة مهمة حول استخدام التكنولوجيا للتجسس على الأفراد، والعلاقة المحتملة بين هذا التجسس وجريمة قتل مروعة. من الضروري إجراء تحقيق شامل في هذه القضية، وكشف جميع الحقائق المتعلقة بها، لضمان تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان وحرية الصحافة. ندعو إلى متابعة هذا الموضوع عن كثب، والمشاركة في الجهود الرامية إلى تعزيز الأمن السيبراني وحماية الخصوصية في العصر الرقمي.

شاركها.
Exit mobile version