يدور جدل طويل (وعقيم) في لبنان حول أيهما أكثر فعالية: السعي إلى وقف إطلاق النار أم العمل، وبالتالي المقاومة، لوقف العدوان الإسرائيلي المتصاعد على الأرض والناس والأشجار والحجارة والمقاومة والجيش وحفظة السلام التابعين لليونيفيل. القوى وجميع جوانب الحياة في أرض الأرز.

وأغلبية المؤيدين لوقف إطلاق النار هم معارضون لحزب الله الذي ينتفض مع سائر التنظيمات اللبنانية والفلسطينية في مقاومة شرسة للعدو الصهيوني. وأغلبية الذين يؤيدون وقف الهجمات الصهيونية هم أعداء لإسرائيل التي ظلت تهاجم لبنان بشكل أو بآخر منذ وقعت اتفاق الهدنة معه عام 1949، حتى احتلت نحو نصف مساحتها عام 1982 وأقامته. شريط احتلال على طول حدودها مع فلسطين المحتلة استمر نحو عشرين عاماً. ولم تنسحب منه إلا بسبب المقاومة الشعبية المستمرة.

وتحاول إسرائيل الآن إعادة احتلال لبنان. واليوم يتصدى له حزب الله وحلفاؤه ويكبده خسائر بشرية ومادية فادحة، ناهيك عن قصف منزل رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو في قيصرية، ما دفع الاحتلال إلى إطلاق العنان لسلاحه الجوي لقصف المنازل والمنشآت. المحلات التجارية المدنية، ليلا ونهارا، في كل لبنان، من جنوبه إلى شماله، ما أدى إلى نزوح ما لا يقل عن 1.3 مليون مواطن. وبينما ينشغل اللبنانيون بجدلهم الطويل والعقيم حول أيهما أكثر فعالية، وقف إطلاق النار أم وقف العدوان الإسرائيلي السافر، سارع نتنياهو إلى الرد على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي دعاه إلى تجنب مهاجمة القوة المؤقتة التابعة للأمم المتحدة. في لبنان (اليونيفيل) في جنوب لبنان، من خلال التأكيد على معارضة إسرائيل لوقف إطلاق النار من جانب واحد مع حزب الله في لبنان، والتأكيد على أن القوات الإسرائيلية طلبت من اليونيفيل المغادرة عدة مرات، لكن تم رفضها مرارا وتكرارا.

رأي: وتعتمد أستراليا على الأسلحة الإسرائيلية، مما يعني أنها تعتمد الآن على الإبادة الجماعية

وزعم أن اليونيفيل ستوفر درعا بشريا لـ”إرهابيي حزب الله”، قائلا إن ماكرون وغيره من دعاة وقف إمدادات الأسلحة للكيان الصهيوني في هذا الوقت يجب أن يشعروا بالخجل من مثل هذه الدعوة. ولم يكن نتنياهو ليذهب أبعد من ذلك في مواقفه بشأن وقف إطلاق النار وهجومه على قوات اليونيفيل، ومطالبتها بمغادرة جنوب لبنان، ومواصلة انتقاد ماكرون، قائلاً إنه يجب أن يشعر بالخجل لمطالبته بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيل، لو فهو لم يكن واثقاً من دعم الولايات المتحدة له في حربه الإبادة الجماعية على غزة، وعدوانه السافر على لبنان، ورفضه وقف إطلاق النار. ألم يعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أنه يعلم متى سترد إسرائيل عسكريا على إيران، لكنه لن يكشف ذلك الآن؟ ألم يصرح مبعوثه إلى لبنان عاموس هوشستين للبنانيين الجديد قناة تلفزيونية: أن القرار الأممي 1701 يحتاج إلى تعديلات وإضافات لضمان تنفيذه، رافضاً تقديم أي ضمانات بشأن توقف العدو عن قصف العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية؟ ألا تثبت هذه الاعتداءات والمواقف ما أصبح واضحاً: أن العمل السياسي الأميركي يأتي في إطار الجهود الهادفة إلى استكمال ما فشل العدو الصهيوني في تحقيقه في المعادلة اللبنانية الداخلية، أي بلورة صيغة سياسية تهدف إلى ضمان أن مقاومة حزب الله وحلفائه لا تتعافى، ولا تستعيد قدراتها وقوة الردع في مرحلة ما بعد الحرب؟

وفي ضوء هذه الحقائق والتطورات، فمن الواضح أن لبنان ليس في وضع يمكنه من الاختيار بين وقف إطلاق النار ووقف العدوان الإسرائيلي المستمر، بل إنه الآن مضطر إلى تبني خيار واحد، وهو المقاومة التي لا تزال مستمرة. وبرزت الآن كجزء من واجب الدفاع عن النفس، وما تبع ذلك من ضرورة الالتزام بتوفير كافة الإمكانيات والمتطلبات اللازمة لضمان النجاح في ردع العدو ودحره. علاوة على ذلك، فقد أصبح لزاماً على القوى الوطنية في الحكومة والمعارضة أن تدرك حقيقة صارخة، وهي ألا تتوقع أي دعم ملموس وفعال من القوى الحاكمة في دول غرب الأطلسي في أوروبا وأمريكا، إذ أن الصراع السياسي والسياسي وقد أثرت التطورات الاقتصادية في تلك الدول على القوى اليمينية بتاريخها الأيديولوجي المعادي للسامية، بحسب المفكر الفرنسي المعروف آلان غريش، وحوّلتها إلى قوى تدعم إسرائيل، إذ أصبح الإسلام هو العدو الرئيسي لها. بعد أن نجحوا في فرض خطابهم ومفاهيمهم على الساحة السياسية في الدول الأوروبية.

رأي: حروب إسرائيل التوراتية “للدفاع عن النفس”: أسطورة “جبهات الحرب السبع”

وهناك أيضاً ما يجب على قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية أن تأخذه بعين الاعتبار، وهو أنه لا توجد قوة تذكر تدعمها في العالم سوى إيران، ورغم أن إيران تمكنت من مواجهة الضغوط والعقوبات الأميركية ضدها منذ ومع اندلاع ثورتها عام 1979، ونجاحها عسكرياً (خاصة في تصنيع الصواريخ الباليستية بعيدة المدى) وعلى المستوى التكنولوجي، فإنها لا تزال تواجه ضغوطاً أميركية كبيرة وتهديداً وشيكاً باستخدام إسرائيل الأسلحة النووية ضدها. وأبدت إيران استعدادا واضحا لدعم قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية سياسيا وعسكريا، وأرسلت وزير خارجيتها عباس عراقجي ورئيس مجلس النواب محمد باقر قاليباف إلى لبنان وسوريا لتأكيد التزام طهران. لدعم قوى المقاومة والحكومات العربية الداعمة لها. لكن التزامها الأول يظل الدفاع عن نفسها، حيث أنها مهددة بهجوم إسرائيلي يشاع أنه يستهدف منشآتها النووية. وقد تكون طهران قادرة على الوفاء بالالتزامين، لكن التحدي يظل كبيرا جدا، خاصة إذا تمكن نتنياهو من جر الولايات المتحدة إلى المشاركة في هجومه المتوقع عليها قبل الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر. ومهما كان الأمر، فإن إيران لم تكن لتلتزم بدعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية لو لم تكن قادرة على ذلك. ولعلها تدرك أيضاً أن ما تفتقر إليه كلتا المقاومتين، وخاصة المقاومة اللبنانية، هو صواريخ دفاع جوي يمكنها استخدامها لمواجهة طائرات إف 35 الإسرائيلية المتطورة. ويشاع أن إيران تمتلك صواريخ روسية من طراز S-300 وS-400 يمكنها إسقاط الطائرات الأمريكية الإسرائيلية المتقدمة إذا كانت تحلق في أجواء إيران أو قريبة من مجالها الجوي، لكن لا يمكن لها ذلك إذا كانت الطيران فوق لبنان أو فلسطين بسبب المسافة الطويلة.

كيف يمكن معالجة هذه المعضلة؟

يقال أن هناك حلين: الأول صعب والثاني سهل. والحل الصعب هو تزويد المقاومة اللبنانية بصواريخ الدفاع الجوي الفعالة التي تمتلكها إيران، لصعوبة إيصالها إلى لبنان. والحل السهل هو أن تقوم طهران بتزويد قوات المقاومة العراقية بهذه الصواريخ لتتمكن الأخيرة من استخدامها ضد الطائرات الإسرائيلية عندما تقصف أهدافاً مدنية أو عسكرية في لبنان. ويجب أن تكون الصواريخ الإيرانية قادرة على أن تكون فعالة من مسافة أقصر بين العراق ولبنان. لكن إذا كانت المسافة الطويلة تمنع قوات المقاومة العراقية من استخدام صواريخ الدفاع الجوي الإيرانية من العراق، فلن يكون أمام طهران خيار سوى الإعلان عن أن «انتقامها» من إسرائيل، انتقاماً للبنان وفلسطين وتكريماً لشعبيهما، سيعبر عنه في رد إيران الذي يصم الآذان على الهجوم الإسرائيلي المتوقع قبل أو بعد 5 تشرين الثاني/نوفمبر. الصبر الاستراتيجي هو مفتاح الإغاثة للبنان وفلسطين.

رأي: لعبة إسرائيل الخاسرة في الشرق الأوسط: حرب بلا نتائج

ظهر هذا المقال باللغة العربية في القدس في 20 أكتوبر 2024.

الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.

الرجاء تمكين جافا سكريبت لعرض التعليقات.
شاركها.
Exit mobile version