في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة والحرب المستمرة في غزة، شهدت صادرات الفحم إلى إسرائيل تحولاً ملحوظاً. فبعد قرار كولومبيا بوقف شحنات الفحم إلى إسرائيل في يونيو 2024، بدأت جنوب أفريقيا في تعزيز دورها كمورد رئيسي لهذا الوقود، مما يثير تساؤلات حول العلاقة بين المصالح الاقتصادية والمواقف السياسية. وتأتي هذه الزيادة وفقاً لبيانات شركات تتبع السلع، التي نشرتها وكالة رويترز يوم الثلاثاء.

ارتفاع صادرات الفحم الجنوب أفريقي إلى إسرائيل

أظهرت البيانات ارتفاعاً بنسبة 87% في صادرات الفحم من جنوب أفريقيا إلى إسرائيل خلال الأشهر الثلاثة التي انتهت في نوفمبر، مقارنة بالعام السابق. هذا الارتفاع يعكس سعي إسرائيل لتأمين مصادر بديلة للفحم بعد توقف الإمدادات الكولومبية. في الواقع، انخفضت صادرات الفحم من كولومبيا إلى الصفر بحلول نهاية نوفمبر، مما أوجد فجوة في السوق الإسرائيلية.

وتشير البيانات الرسمية الصادرة عن مصلحة الضرائب في جنوب أفريقيا إلى أن حجم صادرات الفحم إلى إسرائيل في طريقه لتحقيق أعلى مستوى له منذ فبراير 2017. على الرغم من أن كولومبيا استمرت في إرسال بعض شحنات الفحم إلى إسرائيل في عام 2025، إلا أن هذه الشحنات لم تكن كافية لتلبية الطلب، حيث كانت تمثل حوالي 42% من واردات إسرائيل السنوية من الفحم، والتي تقدر بحوالي مليوني طن.

قرار كولومبيا و دوافعه السياسية

يعود قرار الرئيس الكولومبي غوستافو بترو بوقف صادرات الفحم إلى إسرائيل إلى الضغط السياسي المتزايد بسبب الحرب في غزة. أعلن بترو أن شحنات الفحم ستظل معلقة حتى تلتزم إسرائيل بقرار محكمة العدل الدولية (ICJ) بوقف هجومها على رفح جنوب قطاع غزة.

وعلى الرغم من هذا القرار، استمرت بعض الشحنات في الوصول إلى إسرائيل في البداية، لكن بترو عزز حظره في وقت لاحق من الصيف، ومنع تنفيذ اتفاقيات الإمداد طويلة الأجل. هذا الموقف يعكس انتقادات دولية واسعة النطاق للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.

جنوب أفريقيا: مواقف متناقضة بين السياسة والاقتصاد

تعتبر جنوب أفريقيا من أوائل الدول التي وصفت الحرب الإسرائيلية على غزة بأنها “إبادة جماعية” في ديسمبر 2023، وقدمت قضيتها إلى محكمة العدل الدولية. وقد استمرت المحكمة في الاستماع إلى القضية لمدة عامين تقريباً، دون صدور حكم نهائي حتى الآن، وفقاً لتقارير Middle East Eye.

ومع ذلك، فإن إدانة جنوب أفريقيا لإسرائيل لم تمنع الشركات العاملة في البلاد من زيادة صادراتها من الفحم إلى إسرائيل. تشير بيانات Kpler إلى أن حصة جنوب أفريقيا في سوق الفحم البحري الإسرائيلي من المتوقع أن تتضاعف بأكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة بمستويات عام 2024، لتصل إلى 55%.

هذا التناقض يثير تساؤلات حول مدى تأثير الاعتبارات السياسية على القرارات الاقتصادية، خاصة في ظل الحاجة المتزايدة لإسرائيل إلى تأمين مصادر بديلة للطاقة. كما يسلط الضوء على تعقيد العلاقات الدولية، حيث يمكن للدول أن تحافظ على علاقات تجارية مع دول أخرى حتى في ظل وجود خلافات سياسية عميقة.

إمدادات الطاقة لإسرائيل في ظل الحرب

لا تعتبر جنوب أفريقيا الدولة الوحيدة التي تواصل إمداد إسرائيل بالطاقة على الرغم من إدانتها للوضع في غزة. فقد كشف تقرير صادر عن منظمة Oil Change International في نوفمبر أن 25 دولة زودت إسرائيل بالنفط الخام والمنتجات النفطية المكررة طوال فترة “الإبادة الجماعية” في غزة.

وتتصدر أذربيجان قائمة موردي النفط إلى إسرائيل، حيث يتم نقل النفط الخام من البلاد إلى تركيا عبر خط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان. وتواصل تركيا السماح بتدفق النفط، على الرغم من إدانتها لإسرائيل. هذا يشير إلى أن إمدادات الطاقة لإسرائيل لا تتأثر بشكل كبير بالمواقف السياسية للدول الأخرى.

تأثير الحرب على قطاع الطاقة العالمي

الحرب في غزة لها تأثيرات واسعة النطاق على قطاع الطاقة العالمي. فبالإضافة إلى تعطيل إمدادات الفحم من كولومبيا، أدت الحرب إلى زيادة المخاوف بشأن أمن إمدادات الطاقة في المنطقة. كما أدت إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي، مما أثر على الاقتصادات العالمية.

الطلب المتزايد على الفحم من قبل إسرائيل، نتيجة للظروف الحالية، يساهم في زيادة الضغط على أسواق الطاقة العالمية. هذا يبرز أهمية تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، خاصة في ظل التحديات المناخية المتزايدة.

في الختام، يمثل تعزيز جنوب أفريقيا لصادرات الفحم إلى إسرائيل مثالاً على التفاعل المعقد بين السياسة والاقتصاد في عالم مضطرب. في حين أن كولومبيا اتخذت موقفاً سياسياً واضحاً بوقف الإمدادات، إلا أن جنوب أفريقيا تواصل الاستفادة من الفرص التجارية المتاحة، حتى في ظل إدانتها للعمليات العسكرية الإسرائيلية. هذا الوضع يثير تساؤلات حول المسؤولية الأخلاقية للدول والشركات في ظل الصراعات الدولية، ويؤكد على الحاجة إلى حلول مستدامة لتأمين إمدادات الطاقة مع احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي. لمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع، يمكنكم متابعة آخر التطورات المتعلقة بـ واردات الفحم الإسرائيلية و سياسة الطاقة في جنوب أفريقيا.

شاركها.
Exit mobile version