تركيا ليست “بيئة معادية” للمسيحيين، هذا ما أكده البطريرك المسكوني لبطريركية القسطنطينية، برثلوميو الأول، في مقابلة مع وكالة فرانس برس، وذلك في ظل استضافة تركيا ذات الأغلبية المسلمة للبابا ليو الرابع عشر في أول رحلة خارجية له بصفته رئيسًا للكنيسة. هذه الزيارة تحمل أهمية خاصة في ظل التحديات والنزاعات الجيوسياسية الحالية، وتؤكد على أهمية الحوار بين الأديان.
زيارة البابا ليو الرابع عشر لتركيا: رسالة سلام وتنوع
تأتي زيارة البابا ليو الرابع عشر إلى تركيا في وقت حاسم، حيث تشهد المنطقة والعالم صراعات وتوترات عديدة. وتعد هذه الزيارة، التي بدأت بلقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة، بمثابة رسالة قوية عن التعايش والتفاهم بين الأديان. ووصف البابا تركيا بأنها “مفترق طرق للحساسيات” وأن “تنوعها الداخلي يثريها”.
هذا التقييم يتماشى مع رؤية البطريرك برثلوميو الأول، الذي يرى أن تصوير تركيا كـ بيئة معادية للمسيحيين هو تبسيط مخل. وأشار إلى أن هذه الزيارة ليست “انحيازًا لطرف في بيئة معادية”، بل هي فرصة لتعزيز الحوار والتواصل بين الكنائس المختلفة.
الإرث التاريخي والاحتفال بمرور 1700 عام على مجمع نيقية
تتضمن زيارة البابا ليو الرابع عشر مشاركة البطريرك برثلوميو الأول في احتفالات في مدينة إزنيق (نيقية) التاريخية، على بعد ساعتين من إسطنبول. هذه الاحتفالات تأتي بمناسبة مرور 1700 عام على انعقاد المجمع المسكوني الأول في نيقية عام 325 ميلاديًا.
أهمية مجمع نيقية في التاريخ المسيحي
يعتبر مجمع نيقية من أهم الأحداث في التاريخ المسيحي، حيث تم فيه صياغة “بيان الإيمان” الذي لا يزال يشكل أساس العقيدة المسيحية حتى اليوم. الاحتفال بهذا الحدث التاريخي يرمز إلى الوحدة الإيمانية بين الكنائس الشرقية والغربية، ويؤكد على أهمية الحفاظ على هذا الإرث المشترك.
التحديات الديموغرافية والتاريخية للمسيحيين في تركيا
على الرغم من التأكيد على أن تركيا ليست بيئة معادية، إلا أن عدد المسيحيين فيها يظل محدودًا، حيث يبلغ حوالي 100 ألف نسمة فقط في بلد يضم 86 مليون نسمة. يعود هذا الانخفاض إلى عوامل تاريخية معقدة، بما في ذلك الإبادة الجماعية للأرمن، وتبادل السكان، والاضطهادات التي تعرض لها المسيحيون في فترات مختلفة من التاريخ العثماني والحديث. هذه الأحداث تركت ندوبًا عميقة في الذاكرة الجماعية للمسيحيين في المنطقة.
الحوار بين الأديان: “نعمة مقنعة” في تركيا
يرى البطريرك برثلوميو الأول أن العيش في بلد ذي أغلبية مسلمة يحمل في طياته “نعمة مقنعة”، لأنه يعزز من “الحوار المفتوح والصادق مع جميع الناس في جميع الأماكن، بغض النظر عن العرق أو الدين”. ويؤكد على أن هذا الحوار هو جوهر رسالة الكنيسة، وأنها تكون أقوى وأكثر مصداقية عندما تتحد في مواجهة تحديات العصر الحديث. إن البطريركية المسكونية، بوجودها في قلب إسطنبول، تلعب دورًا حيويًا في تعزيز هذا الحوار وبالتالي، تعزيز التعايش السلمي.
الموقف من الحرب في أوكرانيا والعلاقات مع الكنيسة الروسية
تتطرق المقابلة أيضًا إلى الموقف من الحرب في أوكرانيا، حيث يعلن البطريرك برثلوميو الأول عن رفضه القاطع للعدوان الروسي، ويحث الكنيسة الروسية على الانفصال عن الكرملين. ويؤكد على أن القادة الروحيين في روسيا “لا يمكنهم اتباع المصالح غير الإنسانية والسياسات الهمجية لقادتها السياسيين بشكل أعمى، ولا يمكنهم أن يوافقوا بشكل غير تمييزي بل وحتى أن يباركوا إراقة الدماء في أوكرانيا.”
كما يشير إلى أن الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية تلقت ضربة كبيرة في عام 2018 عندما قطعت الكنيسة الروسية علاقاتها مع البطريركية المسكونية بعد اعترافها باستقلال الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية عن روسيا. العلاقات بين الكنائس تشابكت دائمًا وتأثرت بالسياسة، لكن البطريرك يصر على أن “باب الحوار يظل مفتوحًا دائمًا”.
أهمية الوحدة المسيحية في عالم مضطرب
في الختام، يؤكد البطريرك برثلوميو الأول على أهمية الوحدة المسيحية في مواجهة التحديات التي تواجه العالم اليوم. ويشير إلى أن الاجتماع مع البابا ليو الرابع عشر يذكر المؤمنين بأنهم “أقوى وأكثر مصداقية عندما يتحدون في شهادتهم واستجابتهم لتحديات العالم المعاصر”. إن هذه الوحدة ليست مجرد هدف ديني، بل هي ضرورة حتمية للسلام والاستقرار في عالم يزداد تعقيدًا واضطرابًا، مما يعزز فكرة أن تركيا، على الرغم من تاريخها المعقد، هي مكان يمكن أن يزدهر فيه الحوار والتعاون الديني، وأن الاستضافة المسيحية في تركيا لها دلالة أعمق من مجرد بروتوكول دبلوماسي. يمكن للقارئ البحث عن المزيد من المعلومات حول تاريخ الكنائس في تركيا، وجهود البطريرك برثلوميو الأول في تعزيز الحوار بين الأديان، والتطورات الجيوسياسية المتعلقة بالحرب في أوكرانيا.


