دخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب البيت الأبيض للمرة الثانية بصفته الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية بعد أداء اليمين الرئاسية. ليس هناك شك في أن ولايته الجديدة والأخيرة سوف تكون مثيرة للغاية، نظراً لسياساته المثيرة للجدل داخل الولايات المتحدة وخارجها. وبدأ لحظاته الأولى بتوقيع عدد كبير من الأوامر التنفيذية التي تشمل قضايا داخلية وخارجية، والتي يعتبرها تعديلاً لسياسة وقرارات الرئيس الأميركي السابق جو بايدن. وهو أيضًا تنفيذ لبرنامجه الانتخابي المعلن وانتصار لمؤيديه وحلفائه داخل الولايات المتحدة.
وستكون السياسة التي سيعتمدها ترامب تجاه القضايا العالمية المهمة مختلفة تماما عن سلفه بايدن. ويعد بإنهاء كافة الحروب، وأبرزها الحرب في أوكرانيا، والتوجه نحو التسويات أو الصفقات. كما يريد فرض رسوم جمركية على عدد من الدول أبرزها كندا والمكسيك. ويصر على تغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، فضلا عن السيطرة على قناة بنما وجرينلاند. ويعتزم انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس بشأن المناخ ومنظمة الصحة العالمية. وقد طالب دول حلف شمال الأطلسي بزيادة مساهماتها في الحلف بنسبة 5% من ناتجها القومي الإجمالي، وهو ما رفضته دول أوروبية مثل ألمانيا على سبيل المثال. ويعد برفع العلم الأمريكي على المريخ، إلى جانب طموحات أخرى يريد تحقيقها تحت شعار “أمريكا أولا” وإعادة الولايات المتحدة إلى صدارة العالم واستعادة قوتها.
يقرأ: إيران تقول إن تصنيف ترامب للحوثيين في اليمن “إرهابيين” لا أساس له من الصحة
ما يهمنا بالدرجة الأولى هو ما يفكر ترامب في فعله فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية الإسرائيلية. ورغم أنه لا أحد يعرف بالضبط كيف ستكون سياسته في الشرق الأوسط، إلا أننا تلقينا بعض المؤشرات غير المريحة، إضافة إلى تجربتنا معه في ولايته السابقة. وله مشروعه الذي أعده مساعدوه المؤيدون لإسرائيل بشكل مطلق، والذي أسماه “صفقة القرن”، والتي تنص على إقامة دولة فلسطينية على 70 في المائة فقط من مساحة الأراضي. محتلة منذ عام 1967. وبموجب هذا المشروع، يُسمح لإسرائيل بضم نصف مساحة المنطقة (ج). ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وأغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وكذلك القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية. وخلال فترة ولايته الماضية، تم قطع جميع المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية بعد إقرار التشريع في الكونجرس. وشمل ذلك تمويل مشاريع البنية التحتية والخدمات الأمنية. كما أوقف الدعم الأمريكي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وكان من أولى أوامره التنفيذية إلغاء العقوبات التي فرضها الرئيس السابق بايدن على المستوطنين والجماعات الاستيطانية المتهمة بارتكاب أعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، والذين تم إدراجهم على القائمة السوداء الأمريكية. ويعتبر ذلك تشجيعاً للمستوطنين على ارتكاب الجرائم، حيث سبق لهم أن هاجموا مدناً وقرى وبلدات في عدد من المحافظات الفلسطينية، واعتدوا على المواطنين وأحرقوا ممتلكاتهم في مناطق مختلفة. والحقيقة أن مشروع الضم الذي يسعى الوزير الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريش إلى تنفيذه في الضفة الغربية يرتكز على “صفقة القرن” وموافقة إدارة ترامب على ضم إسرائيل مساحات واسعة من الضفة الغربية المحتلة. ولا شك أن دعوة المستوطنين للمشاركة في حفل تنصيب ترامب، إضافة إلى رفع العقوبات المفروضة عليهم، يشكل دفعة قوية للمشروع الاستيطاني، والمستوطنون يفهمون ذلك كضوء أخضر لهم للاعتداء على الشعب الفلسطيني. .
صرح ترامب، قبل خمسة أشهر، أن إسرائيل صغيرة وأنه يفكر في كيفية زيادة مساحتها. وهذا يعني أنه لا يزال مصرا على منح إسرائيل جزءا من الأراضي الفلسطينية وربما أراض عربية أخرى لتوسيع دولتها وتصبح بحجم مناسب، في رأيه. وحتى بعد تنصيبه، عندما تحدث عن كون غزة في موقع جغرافي خاص، وتحدث عن الدمار هناك، فصلها عن القضية الفلسطينية بشكل عام، ولم يربطها بالضفة الغربية. وقال أيضًا إنه غير واثق من استكمال مراحل الصفقة بين إسرائيل وحماس. وحتى حديثه عن وقف الحروب لم يشمل التوصل إلى سلام دائم في الشرق الأوسط. وإذا ألقينا نظرة فاحصة على فريق الإدارة الجديد الذي اختاره، وخاصة وزير الخارجية ماركو روبيو، والسفير الأميركي الجديد لدى إسرائيل، مايك هاكابي، نجد أنهم متطرفون بشكل استثنائي ومنحازون لإسرائيل. على سبيل المثال، يزعم هوكابي أنه “لا يوجد في الحقيقة شيء اسمه فلسطيني”، مضيفًا أن “ذلك كان أداة سياسية لمحاولة إبعاد الأرض عن إسرائيل بالقوة”.
كل ما يهم ترامب هو استكمال عملية التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل في إطار “اتفاقيات إبراهيم” التي تم توقيعها خلال ولايته الأولى، والتي لا تتضمن حل القضية الفلسطينية كما نص عليها السلام العربي. مبادرة. وسيعتبر تقدم السعودية نحو التطبيع مع إسرائيل إنجازا كبيرا بالنسبة له، نظرا لأن التطبيع السابق لم يحدث أي تغيير ملموس في الواقع. ونعول على السعودية في منع التطبيع بينها وبين إسرائيل دون ربطه بإقامة الدولة الفلسطينية، انطلاقا من موقف المملكة الذي عبر عنه ولي العهد محمد بن سلمان. وأي تغيير في الموقف السعودي تجاه الاستجابة لمطالب ترامب دون حل القضية الفلسطينية سيكون خسارة فادحة وإهدار فرصة ثمينة قد لا تتكرر.
رأي: هل يمكن أن يكون رئيس أعلى محكمة في العالم قاضياً ذا ميول صهيونية؟
ظهر هذا المقال باللغة العربية في الأيام في 22 يناير 2025.
الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.
الرجاء تمكين جافا سكريبت لعرض التعليقات.