تصدّع الأمان في سوريا مجددًا، حيث هزّ انفجارٌ عنيفٌ مسجدًا للعلويين في مدينة حمص يوم الجمعة، مخلفًا ثمانية قتلى و 18 جريحًا على الأقل. هذا الحادث، الذي يأتي في سياق تصاعد التوترات الطائفية في البلاد، أثار موجة إدانة واسعة النطاق، وألقى الضوء على هشاشة الوضع الأمني المستمر. تفجير حمص، كما عُرف لاحقًا، يمثل تصعيدًا خطيرًا في العنف الذي يستهدف الأقليات في سوريا.
تفاصيل الحادث والإعلان عن المسؤولية
وقع الانفجار داخل مسجد الإمام علي بن أبي طالب في حمص، خلال صلاة الجمعة، وهو الوقت الذي يشهد عادةً تواجد أعداد كبيرة من المصلين. أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) بأن فرق الإنقاذ والإسعاف هرعت إلى مكان الحادث لانتشال الضحايا وإخماد النيران.
وتبنّت جماعة “سرايا أنصار السنة”، وهي جماعة سلفية متطرفة، مسؤولية تفجير حمص عبر قنواتها على تطبيق تيليغرام. الجدير بالذكر أن هذه الجماعة كانت قد أعلنت سابقًا مسؤوليتها عن تفجير انتحاري استهدف كنيسة في دمشق في يونيو الماضي، وأسفر عن مقتل 20 شخصًا.
ردود الفعل الرسمية والإقليمية
أدانت وزارة الخارجية السورية التفجير ووصفته بأنه “جريمة إرهابية” تستهدف الأمن والاستقرار في البلاد. كما أعربت دول إقليمية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية ولبنان وقطر، عن إدانتها الشديدة للهجوم. ونشرت وسائل الإعلام السورية الرسمية لقطات لفرق الإنقاذ والأمن وهي تفحص الحطام المتناثر في المسجد.
تصاعد العنف الطائفي في سوريا
لا يمثل تفجير حمص حادثًا منعزلاً، بل هو جزء من نمط متزايد من العنف الطائفي الذي تشهده سوريا منذ اندلاع الأزمة في عام 2011. فقد شهدت البلاد عدة حوادث مماثلة استهدفت مختلف الطوائف والأديان.
المجلس الأعلى للمذهب العلوي، وهو هيئة تدعي تمثيل العلويين في سوريا وخارجها، أدانت ما وصفته بـ “حملة ممنهجة من القتل والتهجير القسري والاعتقالات والتحريض” ضد العلويين على مدار العام الماضي. واتهم المجلس السلطات السورية بالمسؤولية عن هذه الهجمات، محذرًا من أن استمرارها قد يؤدي إلى انهيار البلاد. هذا الاتهام يمثل تطورًا ملحوظًا، حيث عادة ما تتهم المعارضة السورية النظام السوري بالتسبب في الانقسامات الطائفية.
السياق السياسي والأمني
يأتي هذا الحادث في ظل وضع سياسي وأمني معقد في سوريا. فبعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، وهو من الطائفة العلوية، في العام الماضي، شهدت البلاد صعودًا للحكومة التي يقودها أفراد من الأغلبية السنية. وقد أدى هذا التحول إلى تفاقم التوترات الطائفية، حيث يشعر العلويون بالتهديد والتهميش.
بالإضافة إلى ذلك، لا تزال الجماعات المتطرفة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، نشطة في بعض المناطق السورية، وتنفذ هجمات تستهدف المدنيين والقوات الحكومية على حد سواء. فقد قُتل جنديان أمريكيان ومترجم مدني في وسط سوريا في وقت سابق من هذا الشهر في هجوم نفذه مهاجم يُشتبه في أنه عضو في داعش. هذه الهجمات تذكّر بالتهديد المستمر الذي تشكله الجماعات المتطرفة على الأمن والاستقرار في سوريا.
التحديات المستقبلية والبحث عن حلول
يشير تفجير حمص إلى أن سوريا لا تزال تواجه تحديات أمنية وسياسية واجتماعية هائلة. فالعنف الطائفي يهدد بتعميق الانقسامات وتقويض جهود المصالحة الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار نشاط الجماعات المتطرفة يمثل خطرًا كبيرًا على الأمن الإقليمي والدولي.
من الضروري إيجاد حلول شاملة لمعالجة الأسباب الجذرية للعنف الطائفي في سوريا. يتطلب ذلك تحقيق العدالة والمساواة لجميع الطوائف والأديان، وضمان مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية. كما يتطلب ذلك مكافحة التطرف والإرهاب بكل أشكاله، وتعزيز الحوار والتسامح بين مختلف المجتمعات. الأمن في سوريا يتطلب جهودًا متضافرة من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة السورية والمعارضة والمجتمع الدولي. الوضع السوري يحتاج إلى تدخل عاجل لضمان حماية المدنيين ومنع المزيد من التصعيد.
في الختام، يمثل تفجير حمص مأساة جديدة تضاف إلى سلسلة المآسي التي تشهدها سوريا. ويتطلب هذا الحادث تحركًا فوريًا لوقف العنف وحماية المدنيين، والعمل على إيجاد حلول سياسية شاملة تضمن الأمن والاستقرار لجميع السوريين. ندعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته وتقديم الدعم اللازم للشعب السوري في هذه الظروف الصعبة.

