اليونان وإسرائيل وقبرص تعزز التعاون الدفاعي في شرق المتوسط
في خطوة تعكس تحالفاً استراتيجياً متنامياً، أعلنت اليونان وإسرائيل وقبرص عن عزمها تكثيف التدريبات العسكرية الجوية والبحرية المشتركة في شرق المتوسط ابتداءً من عام 2026. يأتي هذا الإعلان في إطار تعميق التعاون الدفاعي بين هذه الدول الثلاث، ويحمل دلالات واضحة في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة، خاصةً مع تركيا. وقد أكد مسؤولون عسكريون يونانيون ومصدر رفيع المستوى هذا التطور يوم الاثنين الماضي.
خطة عمل مشتركة لتعزيز الأمن الإقليمي
وقد وقع مسؤولون عسكريون كبار من اليونان وإسرائيل وقبرص خطة عمل مشتركة للتعاون الدفاعي الأسبوع الماضي في قبرص، وذلك وفقاً لما صرح به مكتب هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة اليونانية (GEETHA). لم يتم الكشف عن تفاصيل الخطة حتى الآن، لكنها تشير إلى التزام الدول الثلاث بتعزيز قدراتها الدفاعية المشتركة.
اجتماع ثلاثي في القدس يضع الأسس
يأتي هذا الاتفاق عقب اجتماع ثلاثي هام جمع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، ورئيس قبرص نيكوس خريستودوليدس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس. خلال هذا الاجتماع، تم التوقيع على اتفاقية لتعزيز التعاون في مجال الأمن البحري، بالإضافة إلى دفع مشاريع الربط الطاقي بين الدول الثلاث. هذا الاجتماع يؤكد على التنسيق الوثيق بين هذه الدول في مجالات متعددة، بما في ذلك الطاقة والأمن.
التدريبات العسكرية المشتركة وتطوير القدرات
أفاد مسؤول يوناني رفيع المستوى بأن الاتفاقية العسكرية ستشمل تدريبات بحرية وجوية مشتركة، بالإضافة إلى نقل الخبرات من إسرائيل إلى اليونان وقبرص. يهدف هذا التعاون إلى مواجهة التهديدات “غير المتماثلة” و”المتماثلة” على حد سواء. من المتوقع أن تشهد التدريبات العسكرية المشتركة بين اليونان وإسرائيل تصعيداً بعد وقف إطلاق النار في غزة، مع مشاركة قبرص.
وتخطط اليونان للمشاركة في مناورات “نوبل دينا” البحرية الإسرائيلية في الأشهر المقبلة في شرق المتوسط، مما يعكس مستوى الثقة والتعاون المتزايد بين البلدين. هذا التعاون في مجال التدريب يهدف إلى تحسين الاستعداد القتالي وتبادل أفضل الممارسات بين القوات المسلحة للدول الثلاث.
استثمارات كبيرة في الأنظمة الدفاعية
لم يقتصر التعاون على التدريبات المشتركة، بل امتد ليشمل صفقات شراء أسلحة كبيرة. فقد قامت اليونان وقبرص بالفعل بشراء أنظمة صواريخ من إسرائيل بقيمة مليارات اليورو. بالإضافة إلى ذلك، تجري أثينا محادثات لشراء أنظمة دفاع جوي وباليستي متوسطة وطويلة المدى من إسرائيل، وذلك في إطار برنامج “درع أخيل” متعدد الطبقات للدفاع الجوي والطائرات بدون طيار، والذي تقدر تكلفته بحوالي 3 مليارات يورو (3.5 مليار دولار).
وفي وقت سابق من هذا الشهر، وافق البرلمان اليوناني على شراء 36 نظام مدفعية صاروخية “PULS” من إسرائيل لتعزيز الدفاعات على طول الحدود الشمالية الشرقية لليونان مع تركيا وفي الجزر اليونانية في بحر إيجه. هذه الاستثمارات الكبيرة في الأنظمة الدفاعية تعكس قلق الدول الثلاث بشأن التهديدات الأمنية المتزايدة في المنطقة.
ردود الفعل الإقليمية والتحفظات القبرصية
لم يصدر تعليق فوري من الحكومة القبرصية، لكن حزب AKEL الشيوعي المعارض الرئيسي أعرب عن تحفظاته. وقال الحزب في بيان له إن الرئيس خريستودوليدس يواصل تعميق التعاون العسكري والسياسي مع إسرائيل دون مراعاة المخاطر والعواقب المحتملة لهذا الاختيار. هذا الموقف يعكس وجود خلافات داخلية في قبرص حول مدى ملاءمة هذا التحالف الاستراتيجي.
من جهة أخرى، من المتوقع أن تثير هذه الخطوة رد فعل من تركيا، التي تعتبرها الدول الثلاث منافساً إقليمياً. لقد تابعت تركيا عن كثب تطورات التعاون الأمني بين اليونان وإسرائيل وقبرص، وتعتبره محاولة لاحتوائها وتقويض نفوذها في المنطقة.
مستقبل التعاون الدفاعي في شرق المتوسط
يبدو أن التعاون الدفاعي بين اليونان وإسرائيل وقبرص سيستمر في التوسع والتطور في السنوات القادمة. هذا التعاون مدفوع بمجموعة من العوامل، بما في ذلك التحديات الأمنية المشتركة، والمصالح الاقتصادية المتقاربة، والرغبة في تعزيز الاستقرار الإقليمي. من المرجح أن يشهد عام 2026 زيادة ملحوظة في حجم ونطاق التدريبات العسكرية المشتركة، بالإضافة إلى استمرار التعاون في مجال تطوير القدرات الدفاعية. هذا التحالف الاستراتيجي يمثل عنصراً مهماً في المشهد الأمني المتغير في شرق المتوسط، ومن المتوقع أن يلعب دوراً متزايد الأهمية في الحفاظ على الاستقرار وتعزيز المصالح المشتركة للدول الثلاث.
في الختام، يمثل تعزيز التعاون الدفاعي بين اليونان وإسرائيل وقبرص خطوة استراتيجية هامة تهدف إلى مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة في شرق المتوسط. من خلال التدريبات المشتركة، وتبادل الخبرات، والاستثمارات في الأنظمة الدفاعية، تسعى هذه الدول الثلاث إلى بناء قوة ردع مشتركة وحماية مصالحها في المنطقة. نتوقع أن نشهد المزيد من التطورات في هذا المجال في المستقبل القريب، مما يعزز مكانة هذه الدول كلاعبين رئيسيين في الأمن الإقليمي.

