في تطور لافت، أعلنت عائلة سعد إبراهيم العلمي، المواطن الأمريكي من أصل سعودي، عن رفع الحظر المفروض على سفره من المملكة العربية السعودية. يأتي هذا الإفراج بعد فترة اعتقال استمرت أكثر من عامين، بدأت في عام 2021، على خلفية انتقادات وجهها عبر وسائل التواصل الاجتماعي للحكومة السعودية. هذا الحدث، الذي تزامن مع زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للولايات المتحدة واستقباله من قبل الرئيس دونالد ترامب، يثير تساؤلات حول العلاقة بين القضايا السياسية والإفراج عن المعتقلين، ويضع الضوء على قضية حرية التعبير في السعودية.
تفاصيل قضية سعد العلمي والإفراج عنه
تم اعتقال العلمي خلال زيارته لوطنه الأم في عام 2021، بعد نشره تغريدات على تويتر انتقد فيها قضايا الفساد واغتيال الصحفي جمال خاشقجي. وقد حُكم عليه في عام 2022 بالسجن لمدة 16 عامًا بتهمة “تقويض استقرار المملكة”. على الرغم من إطلاق سراحه بعد عام من ذلك، إثر تدخلات من الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس جو بايدن، إلا أنه بقي ممنوعًا من مغادرة البلاد.
العائلة أكدت أن السلطات السعودية رفعت الآن حظر السفر، وأن العلمي في طريقه للعودة إلى الولايات المتحدة. وفي بيان رسمي، أعربت العائلة عن امتنانها للرئيس ترامب وإدارته على “الجهود الدؤوبة” التي أدت إلى هذا الإفراج. كما أعربوا عن أملهم في أن “يمتد الدعم والرعاية اللذان تلقيناهما إلى أولئك الذين لا يزالون محتجزين كرهائن في السعودية وفي أجزاء أخرى من العالم”.
استقبال ولي العهد في الولايات المتحدة وتداعياته
تزامن الإفراج عن العلمي مع زيارة رسمية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، حيث استقبله الرئيس ترامب بحفاوة بالغة. هذا الاستقبال أثار جدلاً واسعًا، خاصةً في ظل تقارير استخباراتية أمريكية تشير إلى أن ولي العهد أمر باغتيال جمال خاشقجي، الصحفي المقيم في الولايات المتحدة والذي كان يكتب مقالات رأي في صحيفة واشنطن بوست.
خلال المؤتمر الصحفي، دافع ترامب عن ولي العهد، مؤكدًا أنه “لم يكن يعلم شيئًا” عن عملية القتل وأن “الأشياء تحدث”. كما انتقد الصحفي الذي طرح سؤالاً حول خاشقجي، واصفًا إياه بأنه “يحرج الأمير السعودي”. من جانبه، وصف ولي العهد اغتيال خاشقجي بأنه “مؤلم” و”خطأ فادح”. وقد تعهد بتقديم استثمارات بقيمة تريليون دولار في الولايات المتحدة.
قضايا حقوق الإنسان والضغط الدولي على السعودية
لا تقتصر قضية سعد العلمي على حالة فردية، بل هي جزء من سياق أوسع يتعلق بقضايا حقوق الإنسان في السعودية. فقد سبق أن دعا نائب الرئيس مايك بنس، خلال فترة ولاية ترامب الأولى، المملكة العربية السعودية إلى إطلاق سراح رائف بدوي، الناشط الحقوقي الذي قضى 10 سنوات في السجن وتعرض للجلد 50 مرة بسبب منشوراته في مدونته.
على الرغم من إكمال بدوي محكوميته، إلا أنه لا يزال ممنوعًا من مغادرة السعودية. هذه الحالات، وغيرها الكثير، تثير مخاوف بشأن القيود المفروضة على الحرية الشخصية في المملكة، وتدعو إلى مزيد من الضغط الدولي لتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان.
العديد من المنظمات الحقوقية الدولية تواصل الدعوة إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين في السعودية، وتطالب بضمانات لحماية حرية التعبير والمعارضة السلمية. كما تشدد على أهمية محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك قضية جمال خاشقجي.
مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية وقضايا حقوق الإنسان
الإفراج عن سعد العلمي، على الرغم من أهميته، لا يغير من حقيقة أن قضايا حقوق الإنسان لا تزال تشكل تحديًا كبيرًا في العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة. ففي حين تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على تحالف استراتيجي مع السعودية، خاصةً في ظل التوترات الإقليمية، فإنها تواجه ضغوطًا متزايدة من الكونجرس ومنظمات المجتمع المدني لتبني موقف أكثر صرامة تجاه سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان.
من المرجح أن تستمر هذه القضية في كونها نقطة خلاف رئيسية في العلاقة الثنائية، وأن تتطلب جهودًا دبلوماسية متواصلة لإيجاد حلول مرضية للطرفين. كما أن مستقبل النشاط السياسي عبر الإنترنت في السعودية يظل غير واضح، مع استمرار المخاوف من أن أي انتقاد للحكومة قد يؤدي إلى الاعتقال أو العقوبات الأخرى.
في الختام، يمثل الإفراج عن سعد العلمي خطوة إيجابية نحو احترام حقوق الإنسان في السعودية، ولكنه لا يمثل سوى بداية الطريق. يتطلب تحقيق تقدم حقيقي في هذا المجال إصلاحات شاملة تضمن حماية الحقوق والحريات لجميع المواطنين والمقيمين، وتعزز الشفافية والمساءلة في عمل الحكومة. نأمل أن يشجع هذا الحدث على المزيد من الحوار والتعاون بين السعودية والولايات المتحدة، بهدف بناء علاقة أكثر استدامة وقائمة على القيم المشتركة.

