في ظل التوترات المستمرة في المنطقة، أكد الرئيس اللبناني ميشال عون، خلال لقائه وفدًا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الجمعة، على أن بلاده لا تسعى إلى حرب مع إسرائيل، وذلك بعد أيام قليلة من إجراء أول محادثات بين ممثلين مدنيين من الجانبين منذ عقود. هذا الموضوع، الوضع في جنوب لبنان، يشكل محور اهتمام إقليمي ودولي، ويتطلب تحليلًا دقيقًا للتطورات الأخيرة.

جهود دبلوماسية وتصريحات رئاسية حول الوضع في جنوب لبنان

أعرب الرئيس عون عن رغبة الشعب اللبناني في تجنب أي مواجهة عسكرية جديدة، مشيرًا إلى أن اللبنانيين قد عانوا بما فيه الكفاية. ووفقًا لبيان صادر عن الرئاسة، قال عون: “اللبنانيون لا يريدون حربًا مرة أخرى، فقد عانى الشعب اللبناني بما يكفي ولن يكون هناك عودة إلى الوراء”. كما دعا الرئيس اللبناني المبعوثين إلى دعم جهود الجيش اللبناني في نزع سلاح الجماعات المسلحة غير الحكومية. وأشار إلى أن الجيش يتوقع إكمال المرحلة الأولى من خطته الحكومية المعتمدة بحلول نهاية العام.

وأضاف عون أن دور الجيش اللبناني “سيكون كاملاً… والمجتمع الدولي يجب أن يدعمه ويساعده”، مؤكدًا أنه “لا رجعة في هذا القرار، حتى لو استغرق بعض الوقت، لأن اللبنانيين سئموا من المواجهات العسكرية”. هذه التصريحات تأتي في سياق سعي لبنان لتجنب التصعيد والحفاظ على الاستقرار الهش في المنطقة.

موقف حزب الله من المحادثات الدبلوماسية

على الرغم من هذه الجهود الدبلوماسية، أبدى الأمين العام لحزب الله، السيد نصر الله، دعمًا لمساعي الدولة اللبنانية نحو الدبلوماسية لإنهاء العدوان وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. إلا أنه انتقد بشدة إدراج ممثل مدني في المحادثات مع إسرائيل، واصفًا ذلك بأنه “خطأ إضافي فوق خطيئة” قرار الحكومة في أغسطس بتكليف الجيش بنزع سلاح الحزب.

واعتبر السيد نصر الله أن هذا “التنازل لن يغير موقف العدو، ولا عدوانه ولا احتلاله”، داعيًا السلطات إلى إعادة النظر في هذا الأمر. هذا الموقف يعكس تمسك حزب الله بسلاحه ورفضه لأي مساومة بشأنه، مما يمثل تحديًا كبيرًا لجهود نزع السلاح التي يدعمها المجتمع الدولي. التوتر الحدودي لا يزال قائمًا، ويشكل هذا الرفض عقبة أمام تحقيق الاستقرار الدائم.

اتفاق وقف إطلاق النار وانتهاكاته المستمرة

من الجدير بالذكر أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في نوفمبر 2024 كان من المفترض أن ينهي أكثر من عام من الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله المدعوم من إيران. ومع ذلك، واصلت إسرائيل تنفيذ ضربات على لبنان، وحافظت أيضًا على وجود قواتها في خمس مناطق جنوب لبنان تعتبرها استراتيجية.

المحادثات مع ممثلين مدنيين

في تطور لافت، شارك ممثلون مدنيون من لبنان وإسرائيل في اجتماعات لجنة مكلفة بمراقبة وقف إطلاق النار يوم الأربعاء الماضي. وأكد الرئيس عون أن هذه الخطوة تهدف إلى تجنب حرب ثانية على لبنان. هذه المحادثات، على الرغم من كونها أولية، تمثل بصيص أمل في إمكانية التوصل إلى حلول دبلوماسية للأزمة.

مخاوف من التصعيد وضرورة الالتزام بالقرارات الدولية

أعرب رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، وهو حليف مقرب من حزب الله، عن رفضه للتفاوض “تحت النار”، مؤكدًا أن الاستقرار في الجنوب يتطلب من إسرائيل الالتزام بالقرار 1701 التابع للأمم المتحدة واتفاق وقف إطلاق النار من خلال وقف انتهاكاتها اليومية والانسحاب إلى ما وراء الحدود الدولية.

وفي سياق متصل، أعلنت إسرائيل يوم الخميس أنها نفذت ضربات على أربعة بلدات جنوب لبنان، مستهدفةً البنية التحتية لحزب الله، بما في ذلك مخازن الأسلحة، بهدف منع الجماعة من إعادة التسلح. في المقابل، اتهمت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة هذه الضربات بأنها “انتهاكات واضحة لقرار مجلس الأمن 1701”. كما أفادت القوات الأممية بأن مركباتها تعرضت لإطلاق نار من قبل ستة أشخاص يستقلون ثلاث دراجات نارية بالقرب من بنت جبيل، دون وقوع إصابات.

الاستقرار الإقليمي يتأثر بشكل كبير بالوضع في جنوب لبنان، ويدعو المجتمع الدولي إلى التدخل الفعال لتهدئة التوترات ومنع التصعيد.

مستقبل المفاوضات والتحديات القائمة

أكد الرئيس عون على “الحاجة إلى ممارسة الضغط على الجانب الإسرائيلي لتنفيذ وقف إطلاق النار والانسحاب”، معربًا عن أمله في أن يبذل الوفد جهودًا في هذا الصدد. وأشار إلى أن أي نتيجة من هذه المحادثات “تعتمد بشكل أساسي على موقف إسرائيل، الذي ستعتمد عليه المفاوضات إما لتحقيق نتائج عملية أو للفشل”.

ومن المقرر أن تعقد اللجنة جولة جديدة من المحادثات، مع إدراج الممثلين المدنيين، بدءًا من 19 ديسمبر. ومع استمرار التوترات الميدانية والانقسامات السياسية، يواجه مستقبل المفاوضات تحديات كبيرة. يبقى الأمل معلقًا على قدرة الأطراف المعنية على إعطاء الأولوية للدبلوماسية والحوار من أجل تحقيق الاستقرار الدائم في المنطقة.

شاركها.
Exit mobile version