ومن دون خجل أو تردد، وقفت القاضية جوليا سيبوتينديسات على يمين الرئيس على منصة السلطة القضائية العليا في العالم، محكمة العدل الدولية، كنائبة للرئيس، مؤكدة بذلك من جديد المعتقدات التي سبق أن كشفتها من خلال دعمها المتحمس المتحمس لإسرائيل.
واعترضت على معظم الاستنتاجات الواردة في فتوى المحكمة الصادرة في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2025 بشأن التبعات القانونية الناشئة عن القيود التي تفرضها إسرائيل على المساعدات الإنسانية والتزاماتها كقوة احتلال في قطاع غزة.
والموقف الذي تبنته لم ينبع من مبادئ القانون الدولي، التي مكلفة المحكمة بدعمها وضمان تطبيقها على الوجه الصحيح. وبدلا من ذلك، استند رأيها إلى النصوص الدينية والروايات الأسطورية التي سبق أن استشهدت بها في قراراتها السابقة، وخاصة في مناقشات المحكمة بشأن التدابير المؤقتة في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، وفي الفتوى التي تتناول الطبيعة القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
وحتى عندما هزت مشاهد الموت والتشريد والجوع والدمار الجوهر الأخلاقي للإنسانية، فقد رفضت كل إجراء مؤقت في حكم المحكمة الصادر في 26 يناير/كانون الثاني 2024، متصرفة بما يتماشى مع معتقداتها المشوهة.
وقالت إن الإجراءات التي وافق عليها القضاة بالإجماع والتي تلزم إسرائيل بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، والامتناع عن استهداف المدنيين والمستشفيات، واتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية، تفتقر إلى أي أسس في القانون الإنساني الدولي.
وزعمت كذلك أن إسرائيل ليست ملزمة بمثل هذه الالتزامات بالنظر إلى الهجمات التي واجهتها في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وبالمثل، عارضت التدابير المؤقتة الثلاثة المؤكدة في قرار المحكمة اللاحق الصادر في 24 أيار/مايو 2024، والذي أكد من جديد الأوامر السابقة وحث إسرائيل على إنهاء هجومها العسكري في رفح.
في فتوى المحكمة الصادرة في 19 تموز/يوليو 2024 بشأن العواقب القانونية لسياسات إسرائيل وممارساتها في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وصف سيبوتيندي الأرض بأنها “متنازع عليها” وليست محتلة، متشككًا في وجود شعب فلسطيني أو دولة اسمها فلسطين.
لقد اعتمدت على روايات الكتاب المقدس والتلمود، حتى أنها أدمجت اقتباسات غير موثوقة من مصادر صهيونية، في انتهاك لأبسط معايير النزاهة الأكاديمية.
هذه المرة، بعد مواجهة انتقادات واسعة النطاق، لا سيما بعد الخطاب الذي ألقته في 10 أغسطس/آب 2025 في كنيسة أوغندية، حيث أعلنت: “الرب يعتمد علي للوقوف إلى جانب إسرائيل…” – تبنى سيبوتيندي موقفين متناقضين بشكل صارخ في الرأي الاستشاري الأخير للمحكمة.
وعلى الرغم من أنها انضمت إلى زملائها القضاة في التأكيد على التزامات إسرائيل بالالتزام بالقانون الدولي والسماح بالتدفق المنتظم للمساعدات الإنسانية، إلا أنها رفضت جميع التوصيات التي تطالب إسرائيل بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة المسؤولة عن إيصال المساعدات، للسماح لها بفتح مكاتب، واحترام الحصانات القانونية لموظفيها.
اقرأ: وزير الخارجية الإسرائيلي ينتقد محكمة العدل الدولية ويصفها بـ”السيرك السياسي الفاسد” الذي يستخدمه أعداء إسرائيل
كانت دوافعها واضحة. لتضليل عامة الناس الذين قد لا يكونون على علم بمواقفها الأيديولوجية، ودفعهم إلى الاعتقاد بأنها، مثل بقية القضاة، تدعم تطبيق القانون الإنساني الدولي، وفي الوقت نفسه تبعث برسالة مطمئنة إلى الإسرائيليين بأنها لا تزال منحازة إليهم.
ومن موقعها القضائي الرفيع، سعت، معتقدة أنها معيّنة إلهياً، إلى تشويه قرارات المحكمة وعرقلتها وتجريدها من معناها وتأثيرها.
والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن سيبوتيندي كررت ادعاءها بأن إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، تمتلك امتيازات سيادية بموجب القانون الدولي تعفيها من أي واجب للتعاون مع الأمم المتحدة أو وكالاتها.
وادعت أن لإسرائيل الحق في اتخاذ التدابير التي تراها ضرورية لحمايتها إذا كانت هذه المنظمات تشكل تهديدا لأمنها، وضربت مثالا على ذلك بقرار إسرائيل إغلاق عمليات الأونروا والاستيلاء على مكاتبها في القدس بحجة اختراق الفصائل الفلسطينية للوكالة.
ومن المثير للصدمة أنها ذهبت إلى حد القول بأن مثل هذه الإجراءات لا تحمي المحتل فحسب، بل تحمي أيضًا السكان الخاضعين للاحتلال.
وهذا يمثل أكثر من مجرد انحراف قضائي؛ إنه انفصال كامل عن الواقع. ومن خلال تأكيدها أن الاحتلال يخدم حماية المدنيين، فإنها تفضح عقلية واهية تنكر الحقائق الموثقة والتقارير الأممية التي تم التحقق منها.
الاحتلال نفسه الذي تصفه بالوقائي هو الذي يقتل ويهدم، ويطلق العنان لميليشيات المستوطنين تحت الحماية العسكرية لتقتل وتنهب وتحرق وتعتدي على المدنيين، وتستولي على الأراضي لإقامة بؤر استيطانية جديدة.
إن الاتفاق العام داخل المحكمة وخارجها هو أن إسرائيل تتصرف كدولة مارقة، وأن كل من يدافع عن جرائمها أو يبررها هو مارق بنفس القدر.
ولكن عندما يتولى مثل هذا الشخص الخبيث منصباً قضائياً، وخاصة منصب نائب رئيس المحكمة، فإنه يقوض مصداقية المؤسسة ويشوه سمعتها.
ولذلك يجب على المحكمة أن تتصرف بناءً على دعوات العديد من الدول والمنظمات التي تطالب بإجراء تحقيق في سلوكها بموجب قواعدها، وهو تحقيق يجب أن يؤدي إلى إقالتها.
ولا يجوز للمحكمة أن تخاطر بخسارة المزيد من الثقة في سلطتها، التي أضعفتها بالفعل استمرار إسرائيل في تجاهل أحكامها. وعليه، فلا يجوز لها أن تضيف عنصراً جديداً وخطيراً من الداخل؛ قاضٍ مدفوع بحماسة عقائدية، يستخدم المحكمة نفسها كمنصة للدفاع عن دولة تعمل بلا كلل لتفكيك المبادئ ذاتها التي تقوم عليها المحكمة وسيادة القانون.
الرأي: داعش الحقيقية
الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.

