في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة، أعلنت الحكومة الإيرانية عن استعدادها للدخول في حوار مع قادة الاحتجاجات التي اندلعت في طهران ومدن أخرى، وذلك بعد انهيار قيمة الريال الإيراني وتسارع معدلات التضخم. يأتي هذا الإعلان بعد استقالة رئيس البنك المركزي، في خطوة تعكس الضغوط المتزايدة على النظام. هذه التطورات الأخيرة تضع الأزمة الاقتصادية في إيران في بؤرة الاهتمام الإقليمي والدولي، وتثير تساؤلات حول مستقبل الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد.
تدهور قيمة الريال واندلاع الاحتجاجات
شهد الريال الإيراني انخفاضًا حادًا في قيمته، ليصل إلى مستوى قياسي بلغ حوالي 1,390,000 مقابل الدولار الأمريكي، وفقًا لمواقع مراقبة أسعار السوق المفتوحة. هذا التدهور أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار، مما أثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين الإيرانيين.
الاحتجاجات، التي شارك فيها أصحاب المتاجر في سوق طهران الكبير، اندلعت يومي الأحد والاثنين الماضيين، وفقًا لوسائل الإعلام الإيرانية الرسمية. وتعتبر هذه المظاهرات أحدث حلقة في سلسلة من الاحتجاجات المتفرقة التي شهدتها الجمهورية الإسلامية في السنوات الأخيرة.
استجابة الحكومة: حوار مع قادة الاحتجاجات
في رد فعل على الاحتجاجات، صرح الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأنه طلب من وزير الداخلية الاستماع إلى “المطالب المشروعة” للمحتجين.
وفي بيان رسمي، أكدت المتحدثة باسم الحكومة، فاطمة محاجراني، أنه سيتم إنشاء آلية للحوار تشمل محادثات مع قادة الاحتجاجات. وأضافت: “نحن نعترف رسميًا بالاحتجاجات… نسمع أصواتهم ونعلم أن هذا ينبع من ضغط طبيعي ناتج عن الضغوط على سبل عيش الناس.”
هذا التحول في لهجة الحكومة يمثل تغييرًا ملحوظًا عن الأساليب السابقة التي اعتمدت على القمع العنيف والاعتقالات الواسعة النطاق لقمع الاحتجاجات. ولكن، يبقى السؤال حول مدى جدية هذه المبادرة ومدى استعداد الحكومة لتقديم تنازلات حقيقية.
العوامل المؤثرة في الأزمة الاقتصادية
تعاني إيران من تداعيات العقوبات الغربية، التي أثرت بشكل كبير على اقتصادها. بالإضافة إلى ذلك، يرى البعض أن السياسات الاقتصادية الليبرالية الأخيرة التي اتبعتها الحكومة قد ساهمت في زيادة الضغوط على سوق الريال المفتوحة.
من الجدير بالذكر أن إيران شهدت في عام 2022 احتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد بسبب ارتفاع الأسعار، بما في ذلك أسعار الخبز، وهو الغذاء الرئيسي. كما واجهت السلطات الدينية احتجاجات جريئة في عامي 2022 و 2023، اندلعت على خلفية وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني أثناء احتجازها من قبل شرطة الأخلاق، التي تفرض قوانين اللباس الصارمة.
التوترات الإقليمية وتأثيرها على الاقتصاد الإيراني
تأتي هذه التطورات في ظل توترات إقليمية متصاعدة. فقد صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه قد يدعم جولة أخرى من الغارات الإسرائيلية إذا استأنفت طهران العمل على تطوير الصواريخ الباليستية أو أي برنامج أسلحة نووية.
الولايات المتحدة وإسرائيل نفذتا 12 يومًا من الغارات الجوية على المنشآت العسكرية والإيرانية النووية في يونيو الماضي، بهدف منع ما يعتقدانه بأنه جهود لتطوير القدرة على بناء سلاح نووي. في المقابل، تؤكد إيران أن برنامجها للطاقة النووية سلمي تمامًا وأنها لم تسعَ إلى بناء قنبلة نووية.
هذه التوترات تزيد من حالة عدم اليقين الاقتصادي في إيران، وتؤثر سلبًا على الاستثمارات الأجنبية وتزيد من الضغوط على العملة الوطنية. العقوبات الدولية تظل عاملًا رئيسيًا في تفاقم الأزمة، حيث تحد من قدرة إيران على تصدير النفط والوصول إلى الأسواق المالية العالمية.
مستقبل الإصلاحات الاقتصادية
أكد الرئيس بزشكيان أن لديهم “إجراءات أساسية على جدول الأعمال لإصلاح النظام النقدي والمصرفي والحفاظ على القوة الشرائية للناس.” ولكن، يبقى التحدي كبيرًا، ويتطلب تنفيذ هذه الإصلاحات معالجة قضايا هيكلية عميقة في الاقتصاد الإيراني.
الوضع الاقتصادي في إيران يتطلب حلولًا شاملة ومستدامة، تتضمن تنويع مصادر الدخل، وتحسين بيئة الأعمال، واستعادة الثقة في النظام المالي. بالإضافة إلى ذلك، فإن تخفيف التوترات الإقليمية ورفع العقوبات الدولية يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في استقرار الاقتصاد الإيراني.
في الختام، تواجه إيران تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية معقدة. إن استعداد الحكومة للدخول في حوار مع قادة الاحتجاجات يمثل خطوة إيجابية، ولكن النجاح يتوقف على مدى جدية هذا الحوار وقدرة الحكومة على معالجة الأسباب الجذرية للأزمة. من الضروري متابعة التطورات في إيران عن كثب، وفهم العوامل المؤثرة في الوضع الاقتصادي والسياسي، لتقييم المخاطر والفرص المحتملة.

