وصل التصعيد السياسي والإعلامي بين الجزائر والمغرب إلى مستوى جديد الأسبوع الماضي، بعد الإعلان عن افتتاح مكتب تمثيلي لما سمي بجمهورية الريف المغربية، بالعاصمة الجزائرية. وكانت هذه خطوة يقول البعض إنها رد، ولو متأخرا، على العديد من التصريحات المغربية حول دعم المملكة لحق تقرير المصير لـ “شعب القبائل” في الجزائر، والتي صدرت في الأمم المتحدة ومختلف المحافل الدولية الأخرى من قبل ممثلين رسميين. المغرب منذ سنوات. واعتبروها حينها ردا على الموقف الجزائري المؤيد للصحراويين في الصحراء الغربية.

وبالتالي، فإننا أمام مستوى جديد من التصعيد في العلاقات الجزائرية المغربية، بدأ حتى قبل صراع 1975 حول قضية الصحراء، على عكس ما يعتقده الكثيرون. وبغض النظر عن النقطة التاريخية التي نتحدث فيها عن العلاقات الرسمية بين الجزائر والمغرب، فإنها لم تكن تفتقر أبدا إلى الحذر والشك، على الأقل، بين نظامين حكم مختلفين سياسيا وأيديولوجيا. وحتى عندما كانا يمران بفترات هدوء ظاهرية، لم تصل العلاقات قط إلى النقطة التي كان الشعبان يأملان فيها. ولم يتصوروا قط أن تصل القضية إلى حد اللعب على الروابط العميقة التي تجمعهم وجميع الدول الأخرى في شمال أفريقيا، مثل الأمازيغ. وكمثال على ذلك، انظر إلى شعب الريف القديم في غرب الجزائر والاحتضان الذي حظيت به الثورة الجزائرية بين سكان المنطقة منذ ما قبل حرب التحرير وما بعدها.

وتصاعدت وتيرة التصعيد في الآونة الأخيرة مع دخول جهات إقليمية ودولية جديدة واستقطاب الرباط والجزائر العاصمة على خلفية تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، في وقت عادت فيه بعض الحيوية إلى الدبلوماسية الجزائرية، بعد سبات عميق في عهد الحكم. الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (1937-2021)، الذي كان يملك، نظريا، المؤهلات للمساهمة في حل هذا الصراع، لكنه لم يفعل ذلك.

الصحراء الغربية: جدل ساخن في الأمم المتحدة بين المغرب والجزائر حول الأراضي

وبوتفليقة ولد في المغرب وكانت له علاقات مباشرة مع النخب والأحزاب السياسية المغربية، وعندما كان وزيرا لخارجية الجزائر عندما تصاعد الصراع عام 1975، كان على علم بالقضية. لكنها ركدت خلال فترة رئاسته (1999-2019) وقبل ذلك، عندما كانت الجزائر تمر بأزمة أمنية وسياسية لم يتم فيها معالجة الموضوع. لقد تجاهلها العالم، وربما ساعد ذلك في تفاقمها، حيث ظلت دون حل لفترة طويلة.

ميزان القوى لم يتغير بشكل جدي بين الرباط والجزائر العاصمة. وقد سمحت هذه القوى، ومعها القوى الدولية، بأن تبقى القضية عند مستوى تصعيد متحكم فيه ويمكن التحكم فيه يقتصر على العلاقة المباشرة بين المغرب والجزائر التي كان تأثيرها متوسطا دوليا، ولم يتجاوز حقا سياقا إقليميا محدودا. وكلاهما عرف كيف ينأى بقضاياه عن الإطار الإقليمي العربي، الذي لم يكن من المتوقع إيجاد حلول فيه، بسبب الشلل الذي كان وما زال يعاني منه المظلة الإقليمية، جامعة الدول العربية. لكن بعض أعضاء الجامعة بدأوا يتعاملون بشكل مختلف مع القضية لصالح المغرب.

وعرفت الرباط كيف تستغل علاقاتها الخليجية العربية عندما عبر الرئيس دونالد ترامب عن الموقف الأمريكي قبل وقت قصير من مغادرته البيت الأبيض، وتمكنت من استخدام هذه العلاقات في الصراع العربي الإسرائيلي الذي يهم المغرب وإسرائيل. وقد نجحت دولة الاحتلال في إيجاد منفذ لها في شمال أفريقيا، مما يعني أنه من المحتمل أن نتوقع استمرار هذا الاتجاه إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير المقبل. وفي حالة إعادة انتخاب الرئيس الحالي جو بايدن، فإن السيناريو الأفضل هو أن يسود الركود.

وخلافا للحضور الذي ميز هذا الملف في أفريقيا، بكل ما لذلك من تداعيات بالنسبة للمغرب الذي قاطع الاتحاد الإفريقي (منظمة الوحدة الإفريقية سابقا) منذ سنوات، فهو ساحة لم تعود إليها المملكة إلا مؤخرا كما تحاول لكسب مواقف استغلتها الدبلوماسية الجزائرية في غيابها. علاوة على ذلك، انضم الصحراويون إلى الاتحاد، وهو ما يعتبر أحد أهم الانتصارات الدبلوماسية لأصحاب القضية.

لم يُتخذ انضمام الملك محمد السادس إلى المغرب كفرصة لتحسين العلاقات مع الجزائر.

وخلف والده الملك الحسن الثاني الذي كانت علاقاته التاريخية مع الجزائر تتدهور دائما، على عكس سلفه محمد الخامس الذي كان يتمتع برؤية وتعامل أكثر إيجابية مع جارته. وفي عهد الحسن اندلعت الحرب مباشرة بعد استقلال الجزائر عام 1963.

علاوة على ذلك، كان بإمكان الجزائر استغلال وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى السلطة بعد وفاة بوتفليقة لتحسين العلاقات مع المغرب. لقد خلق تولي تبون زمام الأمور الانطباع الصحيح في الغالب بأن الصراع المغربي الجزائري يتجاوز الأفراد، ويتعلق أكثر بالميول السياسية التي تؤثر على الدول ومصالحها الاستراتيجية.

يقرأ: الرئيس الجزائري يزور عائلة فلسطينية في المستشفى

وفي وقت تظهر فيه مؤشرات سلبية للغاية، مثل سباق التسلح المصغر بين البلدين، يمكن أن تفكر بعض القوى داخل النظامين في استخدام القوة العسكرية، ولو بشكل محدود، لدفع القضية إلى الأمام. وكانت الأحداث الدولية، مثل حرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل ضد الفلسطينيين، والحرب الروسية الأوكرانية، سبباً في زيادة التوترات في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، والتي ربما تأثرت بلدانها أكثر من غيرها بأزمة الطاقة الناجمة عن ذلك.

لقد كسبت الجزائر العديد من النقاط في هذه الأزمة، لكنها لم تترجم ذلك حتى الآن إلى أي شيء إيجابي في مواقفها مع المغرب بشأن القضايا الخلافية، بعد نجاح الأخير في مواقفه من القضية الصحراوية. وقد تحقق ذلك، على سبيل المثال، في علاقات الرباط مع إسبانيا وفرنسا وألمانيا على حساب الموقف الجزائري الذي سقط مناصروه في مختلف أنحاء العالم. الدبلوماسية الجزائرية بعيدة كل البعد عن التكيف مع هذا الأمر بالسرعة التي تحتاجها.

ظهر هذا المقال لأول مرة باللغة العربية في القدس العربي بتاريخ 10 مارس 2024

الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.

الرجاء تمكين جافا سكريبت لعرض التعليقات.
شاركها.
Exit mobile version