في النسيج المعقد للجغرافيا السياسية العالمية، يمثل الهجوم الصاروخي الأخير الذي شنته إيران ضد أهداف إسرائيلية تحولا حاسما في النموذج الأمني ​​في الشرق الأوسط. وهذا الحدث، بعيداً عن كونه عملاً رادعاً، يدل على توازن أمني جديد في المنطقة، يميل بشدة لصالح إيران. ويتطلب هذا التحول إعادة تقييم عميقة للسياسة الخارجية الأميركية، وخاصة في ضوء التحدي الاستراتيجي الأوسع الذي تفرضه القوة الصاعدة للصين.

إن الضربة الصاروخية الإيرانية في 14 إبريل/نيسان ليست مجرد تصعيد عرضي آخر في المنطقة؛ فهو يمثل عرضًا محسوبًا لقدرات إيران العسكرية المعززة واستعدادها لمواجهة المصالح الإسرائيلية بشكل مباشر. وقد أدى هذا العمل فعلياً إلى إبطال الجدوى الاستراتيجية لممر IMEC، وهي مبادرة تهدف إلى إنشاء منطقة اقتصادية وأمنية يمكن أن تحتوي على النفوذ الإيراني إلى جانب الطموحات الإقليمية الروسية والصينية. ومع فشل الممر، تجد الولايات المتحدة نفسها على مفترق طرق، في احتياج إلى نهج جديد في التعامل مع الاستقرار الإقليمي وأولوياتها الاستراتيجية العالمية.

وتقدم نظرية جون ميرشايمر الواقعية في السياسة الدولية عدسة يمكن من خلالها رؤية هذه التطورات. وفقا لميرشايمر، فإن الدافع وراء الدول في المقام الأول هو السعي إلى السلطة في عالم فوضوي، حيث تتنافس القوى العظمى حتما على الهيمنة. ومن وجهة نظر ميرشايمر، يتعين على الولايات المتحدة أن تركز استراتيجياً على مواجهة صعود الصين، منافسها الأعظم على الساحة العالمية. ومع ذلك، فإن التورط الأميركي في الشرق الأوسط، وخاصة دعمها غير المشروط للإجراءات الإسرائيلية في عهد رئيس الوزراء نتنياهو، يجسد سوء تخصيص الموارد والتركيز الاستراتيجي.

رأي: الهجوم الإيراني الذي فضح الجيش الصهيوني

ويوضح استخدام إدارة بايدن حق النقض الأخير ضد قرار للأمم المتحدة يعترف بالدولة الفلسطينية مزيدًا من الوضوح على هذا الخطأ. وعلى الرغم من أن هذا الإجراء كان يهدف إلى دعم حليف، إلا أنه على نحو لا يخلو من المفارقة، فقد عزز موقف إيران في العالم العربي وأدى إلى تآكل مكانة الولايات المتحدة بين حلفائها العرب التقليديين. ومن خلال الظهور بمظهر الانحياز غير المشروط لإسرائيل، تعمل الولايات المتحدة على تقويض مصداقيتها ونفوذها في المنطقة، مما يخدم عن غير قصد كلاً من روسيا والصين.

وفي هذه الأثناء، استفادت الصين من هذه الانحرافات لتعزيز موقفها الاقتصادي والعسكري على مستوى العالم. وتشير استثماراتها الاستراتيجية في مختلف أنحاء آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، إلى جانب دورها في التوسط في المحادثات بين المملكة العربية السعودية وإيران، إلى رؤية طويلة الأمد تهدف إلى إعادة وضع نفسها كقوة استقرار وبديل عملي للهيمنة الأميركية. وبينما تعمل الولايات المتحدة على توسيع طاقاتها في مستنقع الشرق الأوسط، تعمل الصين بهدوء على تعزيز نفوذها العالمي، وخاصة في المناطق ذات الأهمية البالغة للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، مثل بحر الصين الجنوبي ومنطقة المحيط الهادئ الهندي.

ونظراً للحقائق الجديدة على الأرض، يتعين على الولايات المتحدة أن تركز استراتيجيتها ليس فقط على معالجة العواقب المباشرة لقوة إيران الصاعدة، بل وأيضاً على إعادة التركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث يتبلور التحدي الحقيقي لتفوق الولايات المتحدة من جانب الصين. ويبرز إنشاء دولة فلسطينية مستقلة كعنصر حاسم في هذه الاستراتيجية. ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تخدم وظائف استراتيجية متعددة: فهي ستعمل على استرضاء حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي، وتقويض الأسس الأيديولوجية لجماعات مثل حماس، والحد من نفوذ إيران على وكلائها الإقليميين.

علاوة على ذلك، فإن الدعوة إلى دولة فلسطينية ذات سيادة تتوافق مع المعايير الدولية الأوسع ويمكن أن تساعد في استعادة مصداقية الولايات المتحدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحل النزاعات. كما أنه بمثابة إشارة إلى الحلفاء والخصوم على حد سواء بأن الولايات المتحدة قادرة على تكييف استراتيجياتها في الاستجابة للديناميكيات الجيوسياسية المتغيرة، وبالتالي تعزيز موقفها في التفاوض على اتفاقيات دولية أخرى، وخاصة فيما يتعلق باحتواء طموحات الصين.

ولذلك، يتعين على الولايات المتحدة أن تعيد ضبط سياستها الخارجية ليس فقط للتعامل مع تعقيدات الشرق الأوسط، بل وأيضاً للتعامل بشكل مناسب مع التحدي النظامي الذي تفرضه الصين. ويتضمن ذلك الانسحاب من الالتزامات العسكرية المفرطة في التوسع، وبدلاً من ذلك الاستفادة من الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية لتحقيق الاستقرار في المناطق المضطربة. وفي الوقت نفسه، تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز التحالفات والشراكات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والاستثمار في التكنولوجيات الناشئة وتعزيز قدراتها العسكرية لمواجهة التوسع الصيني بشكل مباشر.

ونظراً لموقف السياسة الخارجية الإيراني الذي لا يزال متناقضاً، فإن الولايات المتحدة لديها فرصة حاسمة لإشراك طهران بطرق يمكن أن تعيد تنظيم انتماءاتها الإقليمية وتحالفاتها العالمية. ومع إدراكها للفروق الدقيقة والمرونة المحتملة في علاقات إيران الخارجية، يتعين على الولايات المتحدة أن تستكشف كافة السبل الدبلوماسية لاقناع إيران بالابتعاد عن نفوذ الصين وروسيا. وقد يتضمن ذلك الاستفادة من احتياجات إيران الاقتصادية ومخاوفها الأمنية واعتزازها التاريخي بسيادتها ونفوذها الإقليمي، وتقديم بدائل تتوافق بشكل أفضل مع مصالح إيران الاستراتيجية طويلة المدى مما قد تقدمه شراكاتها الحالية مع بكين وموسكو.

تقف الولايات المتحدة عند لحظة محورية حيث يتعين عليها الاختيار بين الاستمرار في انخراطها المكلف في ساحات معارك لا طائل من ورائها مثل الشرق الأوسط وأوكرانيا أو إعادة تخصيص تركيزها نحو مواجهة المناورات الاستراتيجية للصين. ولن يحدد هذا الاختيار النتائج الإقليمية فحسب، بل أيضا الملامح المستقبلية لديناميكيات القوة العالمية. إن الطريق إلى الأمام يتطلب إدراكاً واضحاً للحقائق الجيوسياسية الجديدة واستعداداً جريئاً لتحقيق الاستقرار الاستراتيجي الطويل الأمد بدلاً من تحقيق مكاسب تكتيكية قصيرة الأمد.

ومع ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة اختارت الارتباطات المستمرة المكلفة، كما يتضح من موافقة مجلس النواب على حزمة الـ 95 مليار دولار. ويدعم هذا التمويل في المقام الأول أوكرانيا وإسرائيل، بدلاً من تبني استراتيجية احتواء تجاه الصين.

رأي: تغذية الحرب وقتل السلام: لماذا استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد “فلسطين”؟

الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.

الرجاء تمكين جافا سكريبت لعرض التعليقات.
شاركها.
Exit mobile version