ويعلمنا التاريخ أن الأفكار والأيديولوجيات لا تتلاشى وتنتهي باغتيال وقتل قادتها ومؤسسيها، بل تعيد اكتشاف نفسها من خلال أعضائها وموظفيها الذين ظهروا وتدربوا واكتسبوا خبرات وقدرات فكرية وعقائدية وحتى قتالية.

يحيى السنوار، مهندس عملية طوفان الأقصى، بحسب الـ نيويورك تايمزسعى إلى إقناع إيران وحزب الله بالمشاركة في عملية نوعية متعددة الجبهات منذ عام 2022. ولهذا السبب تأخر إطلاق عملية طوفان الأقصى بسبب زعيم حركة حماس ورئيس المكتب السياسي للحركة. القيادي الوحيد في حماس الذي يتمتع بقدرات قتالية ملحوظة ويرأس المكتب السياسي للحركة في غزة، وانتخب لاحقا لمنصب رئيس المكتب السياسي للحركة بعد استشهاد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي السابق في عملية اغتيال إسرائيلية. العملية في نهاية يوليو في قلب طهران. وأدى ذلك إلى رد صاروخي إيراني في أوائل تشرين الأول/أكتوبر انتقاماً لاغتيال هنية ومن ثم حسن نصر الله.

وبينما كانت إسرائيل تستعد للانتقام من إيران، اغتالت القوات الإسرائيلية عن غير قصد زعيماً كان أكثر تطرفاً وأقل واقعية من سلفه، إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، أثناء دورية روتينية في حي السلطان.

يقرأ: عشائر فلسطين تنعي السنوار: “استشهد وهو يقاتل حتى اللحظة الأخيرة على الخطوط الأمامية”

إن بث أو تسريب فيديو الطائرة بدون طيار، الذي صور السنوار دون أن يعلموا أن الزعيم الفلسطيني تم اكتشافه من قبل قوة عسكرية أثناء دورية روتينية في رفح، كان أعظم حماقة، لأنه فضح روايات الصهاينة بأن السنوار يعيش ويعيش. ويتواجد في مخابئ وأنفاق يحيط بها الأسرى الإسرائيليون كدروع بشرية. لقد كشفوا كذبتهم من خلال عرض مقطع فيديو له وهو يقاتل على الأرض وحيدًا حتى أنفاسه الأخيرة.

نجاح حزب الله في التسلل إلى منزل رئيس الوزراء نتنياهو بطائرة بدون طيار في قيسارية، الضاحية الفاخرة جنوب حيفا، حيث يقيم كبار المسؤولين الآخرين والأثرياء، متجاوزا كل الدفاعات الإسرائيلية والأمريكية المتقدمة صباح السبت الماضي، مما تسبب في انفجار هائل ضرب حيفا و خليج حيفا، وتساقط وابل الصواريخ على مستوطنات الشمال والجليل والجولان، يثبت صحة تهديدات نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، في خطاب التحدي الثالث له منذ اغتيال الأمين العام ، حسن نصرالله. وكان قد أكد أن القتال مستمر ويتجه نحو مرحلة تصعيد جديدة سيتم مناقشتها في الأيام المقبلة. مرحلة إيذاء العدو بضرب قاعدة بنيامينا في حيفا بطائرة بدون طيار، مما أدى إلى مقتل 4 جنود. لن يعود النازحون الإسرائيليون، بل سيتم ترحيل المزيد من المستوطنين من الشمال.

سيُذكر يحيى السنوار في التاريخ باعتباره الشخص الوحيد الذي تسبب في أكبر خسارة بشرية وأكبر فشل عسكري واستخباراتي لإسرائيل منذ المحرقة، مع اعتراف نتنياهو والقادة الإسرائيليين بقتل أكثر من 1200 جندي ومدني (لا يزال من غير المعروف عدد القتلى) منهم قتلوا بالخطأ بنيران صديقة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي). قررت إسرائيل، بغطرسة وارتباك، بث فيديو من طائرة بدون طيار يظهر اللحظات الأخيرة ليحيى السنوار بعد إطلاق النار عليه وقصف المنزل الذي كان محميا فيه والمحاط بدبابة. ورغم إصابته، استمر السنوار في النضال حتى أنفاسه الأخيرة. وكان آخر عمل بطولي له هو رمي عصاه بعد أن أصيبت يده وبُترت، على الطائرة بدون طيار، والتي لن تلهم إلا الملايين للقتال والشجاعة والشجاعة. لقد جلب قوة الإلهام والتضحية لجيل كامل، حيث امتلأت وسائل الإعلام العربية بالثناء على بطولته وشجاعته وتضحيته وسط صمت عربي رسمي تام!

لافتات تحمل صور زعيمي حزب الله اللبناني، حسن نصر الله (يمين) وهاشم صفي الدين، اللذين قُتلا في غارات جوية إسرائيلية، وصورة زعيم حماس الراحل إسماعيل هنية (يسار)، الذي قُتل في طهران، معلقة في ساحة فلسطين خلال مراسم إحياء ذكرى زعيم حماس المقتول، يحيى السنوار، خارج مسجد في وسط مدينة طهران، إيران، في 24 أكتوبر، 2024. (Morteza Nikoubazl/NurPhoto via Getty Images)

ومن يعتقد أن حماس أو أي حركة مقاومة مشروعة سوف تضعف وتتراجع بعد وفاة مؤسسيها وقادتها واهمون. وسبق أن اغتالت إسرائيل قيادات حماس في جناحيها السياسي والعسكري، ومن بينهم مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، ونزار ريان، وسعيد صيام، وصالح العاروري في بيروت، ومؤخرا قادة في الحركة. الجناح السياسي إسماعيل هنية في طهران ويحيى السنوار في رفح، ونفذ عملية اغتيال فاشلة لخالد مشعل في عمان. كما اغتالت في عمليات مختلفة قادة الجناح العسكري لكتائب القسام: يحيى عياش، صلاح شحادة، أحمد الجعبري وآخرين. إلا أن ذلك لن يضعف حماس، كما أكد قيادات حماس، وأبرزهم خليل الحية، نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، في بيان عند تأكيد استشهاد السنوار، ومشددا على أن المقاومة ستستمر وستسير على طريق النضال. القائد الشهيد البطل يحيى السنوار.

حزب الله: السنوار وقف في وجه الاحتلال الأمريكي والصهيوني حتى استشهاده

اغتال الرئيس أوباما أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة في باكستان في عام 2011 – الذي أعلن مسؤوليته عن أكبر هجوم داخل الولايات المتحدة في عام 2001 – واغتال الرئيس بايدن خليفة بن لادن، أيمن الظواهري، في أفغانستان في عام 2022. وقتل زعيم تنظيم داعش في شمال سوريا عام 2019. ومنذ إطلاق عملية فيضان الأقصى في أكتوبر 2023، اغتال نتنياهو قادة عسكريين وسياسيين، أبرزهم محمد ضيف، والسنوار، وإسماعيل هنية. أما حزب الله، فقد اغتالت إسرائيل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وخليفته المحتمل في غارات مدمرة على الضاحية الجنوبية لبيروت خلال أسبوع، بالإضافة إلى اغتيال القادة العسكريين لقوات النخبة التابعة للجماعة، فرقة الرضوان.

صحيح أن تأثير هذه الاغتيالات كان مؤلما وأثر على هذه التنظيمات، لكن في الواقع العملي لم تؤثر هذه الاغتيالات على قدراتها. فقصف حزب الله تل أبيب وحيفا وعكا والجليل بعد ثلاثة أسابيع من اغتيال حسن نصر الله، وقاتلت حماس بلا خوف، فقتلت وقنصت وفخخت المباني وألحقت خسائر بالجنود الغزاة ودباباتهم ومركباتهم في غزة. لقد قصفوا غلاف غزة وحتى تل أبيب. وسيطرت حركة طالبان على كامل أفغانستان بعد الانسحاب غير المنظم للقوات الأمريكية.

فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها الحربية المعلنة المتمثلة في هزيمة حماس بشكل كامل والقضاء على قدراتها وتحرير الرهائن وتحييد غزة حتى لا تشكل تهديداً مستقبلياً لأمن إسرائيل، فضلاً عن عدم الوضوح بشأن من سيدير ​​قطاع غزة. فاليوم التالي للحرب، وكذلك بقاء قواتها في لبنان، يشكل خسارة استراتيجية تجعل الانتصارات المباشرة أقل أهمية. نشوة النصر المؤقت لا تغطي على غياب استراتيجية واضحة. إن استمرار الاحتلال دون الانتقال إلى رؤية استراتيجية للحل الشامل الذي يحقق السلام الدائم والشامل والعادل من خلال إقامة الدولة الفلسطينية، كما يطالب الجميع، باستثناء نتنياهو وعصابته المتطرفة، يعني استمرار الصراع. والعنف وغياب الأمن والاستقرار والانتصار الاستراتيجي.

رأي: ربما يكون السنوار قد قُتل، لكن إسرائيل لا تستطيع قتل المقاومة المشروعة

ظهر هذا المقال باللغة العربية في القدس في 20 أكتوبر 2024.

الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.


الرجاء تمكين جافا سكريبت لعرض التعليقات.

شاركها.
Exit mobile version