يشهد المشهد القانوني في إسرائيل تطورات مقلقة، حيث وثّق مركز “عدالة” الحقوقي إقرار أكثر من 30 قانونًا منذ أكتوبر 2023، تُعمّق منظومة الفصل العنصري والقمع الممنهج ضد الفلسطينيين. هذه القوانين، التي تم سنّها بين 7 أكتوبر 2023 و 27 يوليو 2025، تستهدف طيفًا واسعًا من الحقوق السياسية والمدنية، بما في ذلك حرية التعبير والاحتجاج والرأي، والحقوق المتعلقة بالجنسية والحياة الأسرية، والمساواة والحقوق الاجتماعية، وحقوق المعتقلين والسجناء.

تصعيد القمع القانوني ضد الفلسطينيين

أكد مركز “عدالة” في تقريره الذي نُشر يوم الاثنين أن هذه القوانين الجديدة تنتهك بشكل جوهري حقوق الإنسان للفلسطينيين. ويُظهر التقرير اتجاهات تشريعية متعددة ظهرت في السنوات الأخيرة، وتصاعدت بشكل ملحوظ منذ أكتوبر 2023. من أبرز هذه الاتجاهات الاستخدام المتزايد لقوانين مكافحة الإرهاب، والتي تُطبق بشكل شبه حصري على المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل والمقيمين الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة.

تُعرّف هذه القوانين مصطلحات مثل “العمل الإرهابي” و “المنظمة الإرهابية” بشكل غامض، مما يجعلها أداة رئيسية لقمع حرية التعبير لدى الفلسطينيين. ويشير التقرير إلى أن هذا التوجه قد تفاقم بشكل كبير بعد أحداث السابع من أكتوبر.

تفضيل المستوطنين وتقويض حقوق الفلسطينيين

بالإضافة إلى ذلك، يركز التقرير على توجيه الموارد الحكومية للمستوطنين الإسرائيليين، من خلال توفير مزايا ضريبية ورعاية اجتماعية وتعليم عالي وفرص عمل تستثني بشكل صريح المواطنين الفلسطينيين. هذه السياسات تعزز التمييز وتعمق عدم المساواة.

كما يسلط التقرير الضوء على تشرعن الإجراءات الطارئة المؤقتة، والتي يتم تجديدها أو جعلها دائمة بشكل متكرر، مما يتيح انتهاكات واسعة النطاق لحقوق المعتقلين وظروفًا قاسية للسجناء الفلسطينيين. هذه الإجراءات تُستخدم لتبرير القيود المفروضة على الحريات والحقوق الأساسية.

أسس أيديولوجية للفصل العنصري

يؤكد “عدالة” أن هذه القوانين متجذرة في الإطار الدستوري الإسرائيلي، الذي يولي الأولوية لـ “السيادة العرقية القومية اليهودية”. وتظهر العديد من الإجراءات أنظمة قانونية منفصلة للإسرائيليين اليهود والفلسطينيين، وهو ما يعكس قانون “الدولة القومية” لعام 2018، الذي يرسخ تفوق اليهودية ويصف الاستيطان كـ “قيمة وطنية”.

تتبنى الحكومة مبادئ توجيهية، اعتمدت في ديسمبر 2022، تنص على أن “للشعب اليهودي حقًا حصريًا وغير قابل للتصرف في جميع مناطق أرض إسرائيل”، في إشارة إلى جميع الأراضي بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن. هذه المبادئ تعكس رؤية توسعية تهدف إلى ترسيخ السيطرة الإسرائيلية على كامل المنطقة.

تقويض حرية التعبير وتجريم الرأي

فحص التقرير خمسة محاور رئيسية: حرمان الفلسطينيين من حرية التعبير والفكر والنقد والاحتجاج؛ وحرمانهم من الجنسية والحياة الأسرية والروابط المجتمعية؛ والحرمان المنهجي من ضمانات المحاكمة العادلة والاعتداءات على حقوق السجناء؛ وحرمانهم من الحقوق الاجتماعية وتعميق التفاوت في توزيع الموارد؛ وإيقاف عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

فيما يتعلق بحرية التعبير، تجرم القوانين استهلاك وسائل الإعلام التي تنتجها منظمات مصنفة على أنها “إرهابية”، وتحظر التصريحات التي يُزعم أنها تنكر أحداث 7 أكتوبر 2023، وتسمح لوزارة التعليم بفصل المعلمين وحجب التمويل عن المدارس بتهمة دعم الإرهاب. كما يمكن حظر دخول الأجانب إلى إسرائيل بسبب انتقاداتهم أو استئنافهم للمحاكم الدولية، وقد يتم تقييد بث القنوات الإعلامية المنتقدة بذريعة “الإضرار بالأمن القومي”.

“إسكات” المواطنين الفلسطينيين

ترى المحامية والكاتبة والناشطة الفلسطينية، أمل العرابي، أن هذه القوانين تهدف إلى “إسكات وقمع” المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. وتوضح أن إسرائيل تسعى من خلال ذلك إلى “تقليل خسائرها في الرأي العام من خلال إسكات الفلسطينيين القادرين على نقل الصورة إلى العالم” حول الجرائم الإسرائيلية.

وتضيف العرابي أن هذه القوانين تسعى إلى تجريد المواطنين الفلسطينيين من الحماية القانونية المتعلقة بحرية الرأي. “تحاول إسرائيل منع الفلسطينيين من أن يكونوا جزءًا من الخطاب الفلسطيني العالمي أو من فضح الانتهاكات من حولهم”. وتشير إلى أن التشريع يستهدف المحامين والناشطين والمنظمات الاجتماعية والصحفيين، مما يدل على نية “إسكات وكتم هذا الشريحة من المواطنين”.

وتلفت العرابي إلى ازدواجية المعايير: “تطبق إسرائيل هذا النظام من القوانين تحديدًا على الفلسطينيين، بينما تمتنع عن تطبيقه على اليهود الذين يمارسون التحريض المستمر عبر الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام”. وتشير إلى أن بعض القوانين تستثني اليهود، مما يشجع الحركات اليمينية على مواصلة التحريض ضد الفلسطينيين “بدون مساءلة أو رقابة”.

وتستشهد العرابي بتصاعد الإرهاب الاستيطاني في الضفة الغربية، وعدد الهجمات العنصرية ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل، مثل الاعتداءات على سائقي الحافلات الفلسطينيين، وتقييد الوصول إلى الأماكن العامة، ومضايقة النساء المحجبات.

قوانين متزايدة ضد الفلسطينيين

أفاد “عدالة” أن إسرائيل استغلت المناخ الحربي لتسريع الاتجاهات التمييزية. وقد وثق المركز الآن إجمالي 100 قانون تمييزي. وتجرم هذه القوانين التعبير السياسي، وتُخوّل عمليات الترحيل العائلية الفلسطينية، وتعوق لم شمل العائلات، وتسمح بفصل المعلمين الفلسطينيين، وسحب المزايا الاجتماعية إذا أُدين الأطفال بـ “جرائم أمنية” مزعومة، وتوسيع صلاحيات الاحتجاز، وتقييد الوصول إلى الاستشارة القانونية، وإغلاق وسائل الإعلام المستقلة.

حملة تشريعية عدوانية مستمرة

ترى منسقة الدعوة الدولية في “عدالة”، ميريام عزم، أن القوانين تستهدف الفلسطينيين “بشكل ساحق ومنهجي”، باستخدام أطر مكافحة الإرهاب والأمن كذريعة. وتضيف أن هذه القوانين تم تمريرها “غالبًا بدعم واسع النطاق من كل من الائتلاف والمعارضة”.

وتأتي هذه التطورات في وقت يُقمع فيه التعبير السياسي الفلسطيني “روتينيًا ويُجرّم”. وتشرح عزم أن هذا الدفع التشريعي المناهض للفلسطينيين لا يظهر أي علامات على التباطؤ. ففي الكنيست الإسرائيلي، خلال الدورة الشتوية الحالية التي افتُتحت قبل أكثر من شهر بقليل، تم بالفعل إحراز تقدم في العديد من مشاريع القوانين، بما في ذلك مشروع قانون عقوبة الإعدام الذي اجتاز قراءته الأولى، وتمديد جريمة استهلاك ما يسمى بـ “منشورات إرهابية”. ومن المقرر إجراء التصويت النهائي على الأخير أمام الهيئة العامة يوم الأربعاء، مما يؤكد أن “الحملة التشريعية العدوانية ضد الفلسطينيين في الكنيست الإسرائيلي مستمرة دون هوادة”.

كلمات مفتاحية: قوانين إسرائيل، فلسطين، الفصل العنصري، مركز عدالة، حقوق الإنسان، مكافحة الإرهاب، حرية التعبير، القدس الشرقية، قانون الدولة القومية.

شاركها.
Exit mobile version