اندلعت أزمة دبلوماسية في أغسطس/آب بين مصر والحكومة الليبية المعترف بها دوليا ومقرها طرابلس بعد طرد اثنين من الدبلوماسيين المصريين وإعلانهما شخصين غير مرغوب فيهما.
وأشار مصدر بوزارة الخارجية المصرية وآخر من جهاز المخابرات العامة إلى أن الأزمة مرتبطة بتواصل رئيس المخابرات المصرية مع الحكومة الليبية المنافسة في الشرق والمناقشات التي عقدت حول تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة.
منذ سنوات، ظلت ليبيا منقسمة بين حكومة معترف بها دوليا في طرابلس، والتي تسيطر على غرب البلاد، وإدارة في الشرق يهيمن عليها القائد الشرقي خليفة حفتر.
وترتبط القاهرة بعلاقات وثيقة مع حفتر المدعوم من الإمارات وروسيا والحكومة الشرقية.
لكن العلاقات بين مصر وطرابلس تحسنت بشكل ملحوظ على مدى السنوات الثلاث الماضية، حيث أعربت حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تدريجيا عن دعمها لتوحيد الإدارات المتنافسة لإنهاء عدم الاستقرار في جارتها.
نشرة إخبارية جديدة من جريدة الشرق الأوسط: القدس ديسباتش
سجل للحصول على أحدث الرؤى والتحليلات حول
إسرائيل وفلسطين، إلى جانب نشرة Turkey Unpacked وغيرها من نشرات MEE
وكانت آخر علامة على تحسن العلاقات بين طرابلس والقاهرة ما نشره عبد الحميد دبيبة، رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية الليبية، على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث شارك علناً رسالتي تعزية من رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي ورئيس جهاز المخابرات العامة عباس كامل في وفاة نجل دبيبة.
لكن بعد أيام قليلة، في 12 أغسطس/آب، أبلغت وزارة الخارجية الليبية السفارة المصرية في طرابلس بأن اثنين من موظفيها يجب أن يغادروا البلاد خلال 72 ساعة.
وعلم موقع “ميدل إيست آي” أن طرد الدبلوماسيين كان مرتبطا بزيارة إلى بنغازي قام بها قبل أيام رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، والذي التقى حفتر.
وبحسب مصدر استخباراتي مصري تحدث مع “ميدل إيست آي” شريطة عدم الكشف عن هويته، فقد عقد كامل أيضًا اجتماعات غير معلنة خلال هذه الزيارة مع أسامة حماد، رئيس وزراء الحكومة الشرقية، وعقيلة صالح، رئيس مجلس النواب.
وقال المصدر إنهما ناقشا تشكيل حكومة ليبية موحدة تسيطر على جميع الجبهات والمناطق في ليبيا، بشرط ألا يكون من بين أعضاء هذه الحكومة أي مسؤولين سابقين، موضحا أن المقترح كان مقترحا مصريا، لكن تمت مناقشته مع الجانب التابع لحفتر فقط.
وهذا يختلف عن مقترح الأمم المتحدة بتشكيل حكومة وحدة وطنية، والذي لم ينفذه طرفا الصراع الليبي بعد.
لكن ذلك لم يمنع القاهرة من توجيه دعوة رسمية لحماد لزيارة في أغسطس/آب الماضي التقى خلالها مدبولي.
وأدى هذا إلى إثارة غضب حكومة دبيبة، مما دفعها إلى الرد بعداء مفتوح تجاه القاهرة.
تحركات غير منتجة
أعرب دبلوماسي بارز في وزارة الخارجية المصرية عن دهشته من تصرفات رئيس المخابرات العامة، والتي قال إنها أدت إلى توتر العلاقات مع الدبيبة بشكل غير ضروري.
وأشار إلى أنه لم يتم التشاور مع الوزارة بشأن هذه الخطوة التي اتخذها جهاز المخابرات العامة من جانب واحد، ما أثار تساؤلات دبلوماسيين حول أسبابها.
وأضاف المصدر لـ”ميدل إيست آي”: “لكن جهاز المخابرات العامة لم يقدم أي تفسيرات مباشرة، واكتفى بالإشارة إلى رغبته في إنهاء الوضع الحالي والتحرك نحو انتخابات في ليبيا من شأنها أن تؤدي إلى نظام قادر على حكم البلاد بأكملها، ويكون حليفًا للقاهرة”.
“إن الحاجة المتبادلة للحفاظ على مستوى معين من التعاون بين الجانبين على الرغم من انعدام الثقة المتبادلة ستدفع مصر إلى المبادرة لإصلاح الأضرار الناجمة عن لقاء حماد”
– معتز خليل السفير المصري الأسبق
ويعتقد المصدر في وزارة الخارجية أن تصرفات كامل جاءت على الأرجح مدفوعة بالفرصة التي أتاحها التركيز الإقليمي والدولي على الأحداث في غزة والتوترات بين إسرائيل من جهة وحزب الله وإيران من جهة أخرى.
وقال المصدر إن كمال رأى على الأرجح في ذلك فرصة لدعم حفتر، الحليف الرئيسي لمصر في ليبيا، ضد الخصم الذي تعاملوا معه على مضض خلال الفترة السابقة: حكومة دبيبة.
وأضاف المصدر الاستخباراتي أن الغريب في خطوة كامل أنها تمت بشكل مستقل عن مصالح ورغبات دولة الإمارات العربية المتحدة، الداعم الرئيسي لحفتر.
وقال المصدر إن خطوة عباس “أثارت غضب الإمارات”، التي لم تكن تحبذ تحرك مصر بشكل منفرد في هذه القضية.
وأضاف المصدر أن العلاقات بين أبوظبي ودبيبة شهدت تحسنا كبيرا في الآونة الأخيرة بعد أن قدم مساعدات كبيرة للإمارات في مشاريع الغاز والنفط.
وأشار إلى أن حكومة دبيبة قدمت دعماً كبيراً لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) وتسهيل شراكتها مع شركتي توتال وإيني في حقل سي إن 7 في حوض غدامس لضمان استمراريتها.
وطلب موقع “ميدل إيست آي” من وزارة الخارجية الإماراتية التعليق على هذا الأمر.
ومن ناحية أخرى، دفع الاعتراف الرسمي بحكومة طرابلس من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مصر حتى الآن إلى الحفاظ على علاقة متوازنة مع الدبيبة.
وقال خليل لـ”ميدل إيست آي” إنه على الرغم من اعتقاد القاهرة بأن رد طرابلس على زيارة كامل كان مبالغا فيه، “فمن المتوقع أن الحاجة المتبادلة للحفاظ على مستوى معين من التعاون بين الجانبين على الرغم من الافتقار المتبادل للثقة ستدفع مصر إلى اتخاذ زمام المبادرة لإصلاح الأضرار الناجمة عن لقاء حماد”.
وأضاف أن “الحكومة في طرابلس تنتظر على الأرجح مثل هذه الخطوة للرد بشكل إيجابي وإعادة الوضع إلى ما كان عليه في أقرب وقت ممكن”.
وطلب موقع “ميدل إيست آي” التعليق على هذا الأمر من وزارتي الخارجية الليبية والمصرية.