هذه ليست مقالة عن الحداد على إسماعيل هنية، فالشهداء لا يُنْحَبُّون كما نُنْحَب نحن، فقد نالوا في النهاية أعلى الثواب في الخلود، دون أدنى شك أو تساؤل. ولا يمكن لرجل مثل هنية أن يموت موتة بسبب مرض أو حادث. لقد أنعم الله عليه بالشهادة ليرافق العديد من الفلسطينيين الآخرين الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الحرية والعدالة في وطنهم. ولن ينتهي موكب الشهداء الأبطال إلا عندما تتحرر أرض فلسطين من الصهيونية، إن شاء الله.

إننا لا نحزن على هنية، بل نستعير عبارة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بعد معركة أحد، عندما كان المشركون في مكة يفرحون بانتصارهم: “قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار”. إن المجرمين الذين فرحوا بقتل هنية، وخدعوا أنفسهم بالاعتقاد بأنهم حققوا نصراً عظيماً من النوع الذي فشلوا في تحقيقه على أرض المعركة خلال الأشهر العشرة الماضية، يجب أن يتذكروا هذه العبارة. وعندما يضطرون إلى اللجوء إلى القتل السياسي، يجب أن يعرفوا أنهم خسروا المعركة والحرب.

قد تكون دولة الاحتلال قتلت اسماعيل هنية، ولكنها لم ولن تتمكن من قتل فكر حركة المقاومة الإسلامية.

وستظل حماس تطارد الصهاينة بالمقاومة المشروعة تماما بموجب القانون الدولي.

إن الاحتلال هو، بحكم تعريفه، عمل عدواني، وقد أكدت محكمة العدل الدولية مؤخرا أن احتلال إسرائيل لفلسطين غير قانوني.

إن اغتيال هنية هو الأحدث في سلسلة من الاغتيالات التي نفذها الكيان الصهيوني ضد قادة حماس. وكانت آخر كلماته كما وردت: “إذا رحل زعيم سيأتي آخر”. وهذا ما حدث عندما قتل الصهاينة الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي في عام 2004، وغيرهما من كبار المسؤولين منذ ذلك الحين. ولن تتوقف الحركة باغتيال قياداتها. فقد قتلت دولة الاحتلال عدداً من قادة حماس منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ومنهم مروان عيسى نائب قائد الجناح العسكري للحركة كتائب القسام، وأيمن نوفل عضو المجلس العسكري للقسام، وصالح العاروري نائب هنية في المكتب السياسي لحماس، وسمير فندي مسؤول حماس في جنوب لبنان، وعزام الأقرع أحد مؤسسي كتائب القسام، وأحمد بحر وجميلة الشلتي عضوي المكتب السياسي. أيمن صيام وأحمد الغندور من كتائب القسام، وكبار المسؤولين أسامة المزيني وفائق المبحوح، ولم تؤثر أي من هذه الاغتيالات على أداء كتائب القسام في غزة في الحرب غير المتكافئة ضد جيش الاحتلال خلال الأشهر العشرة الماضية.

إن الاغتيالات السياسية ليست تكتيكاً صهيونيا جديدا. فإسرائيل في نهاية المطاف كيان بني في المقام الأول على أسس إرهابية واستعمارية استيطانية. ففي عام 1948 على سبيل المثال، قتل الإرهابيون الصهاينة وسيط الأمم المتحدة الكونت فولك برنادوت، وهو الرجل الذي نجح في تأمين إطلاق سراح آلاف السجناء من معسكرات الاعتقال النازية أثناء الحرب العالمية الثانية. أما الرجل الذي كان من المتوقع أن يكون خليفة هنية، خالد مشعل، فقد نجا من محاولة اغتيال صهيونية في عام 1997.

لقد طبقت الدولة الصهيونية منذ اليوم الأول لاحتلالها نظام الفصل العنصري الذي يتضمن التمييز ضد مواطنيها الفلسطينيين ـ الذين يشكلون خمس السكان ـ والذي تم تضمينه في التشريعات. ويحظى الائتلاف الحكومي بدعم المتطرفين اليهود من أقصى اليمين الذين دعوا إلى إبادة الفلسطينيين، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن جفير على سبيل المثال. وفي الوقت نفسه، تواصل الديمقراطيات الغربية مدح هذا الكيان الإجرامي، مدعية أنه واحة للديمقراطية وسط ظلام وتخلف الأنظمة العربية المحيطة، والتي تتقاسم “قيماً مشتركة” مع الغرب. وإذا كان الأمر كذلك، فمن المخزي أن يعترف الغرب بذلك.

لا شك أن الاغتيالات السياسية لها تأثير سلبي على حركات المقاومة بشكل عام، فهي جزء من الحرب النفسية التي يشنها العدو الصهيوني لإحداث الاضطراب لفترة من الوقت، إلا أنها لا تحقق انتصارات ميدانية ولا تمر مرور الكرام، وفي حالة مقتل هنية وفؤاد شكر من حزب الله فإن الصهاينة يؤججون نيران الصراع المسلح في المنطقة.

نحن جميعا نستطيع أن نرى من الذي يريد السلام في المنطقة، وليس دولة إسرائيل الصهيونية.

إن المقاومة حق، والحقوق لا تختفي إلا بعد الوفاء بها. ولن تستسلم حماس كحركة وتموت ما دامت الحاجة إلى المقاومة قائمة، أي ما دام الاحتلال قائماً. إن الأجيال الجديدة تولد وتنمو وتعيش تحت الاحتلال، فكيف ولماذا يفترض أن تتخلى عن هذا الحق ما دام الاحتلال قائماً؟ إن الشباب الفلسطيني المولود في عام 2008 قد عاش بالفعل نصف دزينة من الهجمات العسكرية الإسرائيلية الكبرى والعديد من التوغلات المسلحة؛ ولن يستسلموا للقصف.

لقد تنبأ مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين بزوال إسرائيل لأنها قامت على الظلم واغتصاب الحقوق، وأي كيان يقوم على مثل هذه الأسس مصيره الفشل في نهاية المطاف، وكان قد صرح بأن هذا سيحدث في عام 2027، وعندما سئل عن سبب ذكره لهذا العام بالتحديد، أجاب: “يخبرنا القرآن الكريم أن هناك تغيراً في الأجيال كل أربعين عاماً، فالأربعون عاماً الأولى كانت النكبة، والأربعون عاماً الثانية كانت الانتفاضة والمواجهة والقتال مع العدو، والأربعون عاماً الثالثة ستكون نهاية إسرائيل، والجيل القادم هو جيل التحرير، والصهاينة فخورون بقوتهم، ونحن خائفون من ضعفنا، لكن إرادة الله هي العليا”.

لقد كان الشيخ ياسين محقاً في تحليله، ونحن الآن نشاهد جيل التحرير الذي يقاتل بشجاعة منقطعة النظير، ولا يخاف الموت، لأن الموت ليس النهاية. إن يقين هذا الجيل الكامل بالله وبعدالة قضيته يحفزه على مواصلة النضال من أجل تحرير فلسطين كلها من الاحتلال الصهيوني الخبيث.

رأي: إسماعيل هنية.. اغتيال في حرب إسرائيل على السلام وسعيها للاحتلال الأبدي

الآراء الواردة في هذه المقالة تعود للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع ميدل إيست مونيتور.

شاركها.