شهدت ظاهرة التداول الاحترافي (Prop Trading) نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، خاصة بين الشباب في الولايات المتحدة. يعتمد هذا النوع من التداول على توفير شركات متخصصة لرأس مال للمتداولين مقابل نسبة من الأرباح، بعد اجتيازهم اختبارات تقييمية صارمة. وقد لفت هذا المجال انتباه الكثيرين لما يتيحه من فرص لتحقيق مكاسب مالية كبيرة، رغم المخاطر الكامنة فيه.
بدأ ريكي سالدانا، وهو متداول يبلغ من العمر 29 عامًا ومقيم في نيويورك، في سماع همسات حول التداول الاحترافي في عام 2021. اكتشف من خلال أحد معارفه أن هذه الشركات تقدم رأس مال يتراوح بين آلاف الدولارات مقابل رسوم بسيطة واجتياز اختبار تقييمي. هذا المبلغ يمكن أن يضاعف أرباح المتداول بشكل كبير إذا تحرك السوق في الاتجاه الصحيح.
ما هو التداول الاحترافي ولماذا يزداد شعبيته؟
التداول الاحترافي، أو ما يعرف بـ “Prop Trading”، يختلف عن التداول التقليدي الذي تقوم به شركات الاستثمار الكبرى من خلال أموالها الخاصة. يقوم التداول الاحترافي على فكرة تمكين المتداولين الأفراد من الوصول إلى رأس مال أكبر، وبالتالي زيادة إمكاناتهم الربحية. تتيح شركات التداول الاحترافي للمتداولين اجتياز تقييم يثبت مهاراتهم، ثم توفر لهم حسابًا ممولًا يمكنهم استخدامه للتداول في الأسواق المالية المختلفة.
تشير البيانات إلى أن الاهتمام بالتداول الاحترافي قد ارتفع بشكل كبير في العام الماضي. فقد سجلت عمليات البحث على جوجل عن عبارة “prop firms” زيادة بنسبة 85%، بينما ارتفعت عمليات البحث عن “prop trading” بنسبة 139%، وفقًا لأداة تحليل اتجاهات جوجل “Glimpse”. يعزى هذا الارتفاع إلى عدة عوامل، منها سهولة الوصول إلى المعلومات، وزيادة الوعي بالفرص المتاحة، وتوفر منصات التداول عبر الإنترنت.
وفقًا لتقرير صادر عن ZipDo، زاد عدد المتداولين الاحترافيين النشطين على مستوى العالم بنسبة 25% خلال السنوات الثلاث الماضية. وتقدر الشركة أن حجم صناعة التداول الاحترافي يبلغ حوالي 12 مليار دولار أمريكي. ويبلغ متوسط عمر المتداول الاحترافي 29 عامًا، حيث يشكل الجيل زد والجيل الألفي الغالبية العظمى من المشاركين في هذا المجال.
شروط التداول الاحترافي والتحديات التي تواجه المتداولين
للاستفادة من خدمات شركات التداول الاحترافي، يجب على المتداولين اجتياز اختبار تقييمي يتضمن سلسلة من التحديات الصغيرة التي تهدف إلى تقييم مهاراتهم وقدرتهم على إدارة المخاطر. بعد النجاح في هذا الاختبار، يحصل المتداول على حساب ممول يتراوح حجمه بين 5,000 دولار أمريكي وعدة مئات الآلاف من الدولارات.
ومع ذلك، هناك بعض الشروط والتحديات التي يجب على المتداولين أن يكونوا على دراية بها. أولاً، تقتطع الشركات نسبة من أرباح المتداولين، عادة ما تكون حوالي 20%. ثانيًا، إذا تكبد المتداول خسائر كبيرة، يتم إغلاق الحساب وسحب التمويل. وهذا يعني أن المتداولين يجب أن يكونوا حذرين وأن يلتزموا باستراتيجيات إدارة المخاطر الصارمة.
على الرغم من هذه التحديات، يرى الكثير من المتداولين الشباب أن التداول الاحترافي يمثل فرصة جذابة لتحقيق الاستقلال المالي. فقد عبروا عن رغبتهم في التحرر من القيود التقليدية للوظائف، وتحقيق دخل مرتفع يسمح لهم بالعيش بحرية أكبر.
أحد أبرز شركات التداول الاحترافي، Topstep، ذكرت على موقعها الإلكتروني أن 12.4% من المتداولين تمكنوا من الحصول على تمويل في عام 2024. ومن بين هؤلاء، حصل 28.3% على عائدات من الصفقات التي قاموا بها.
في المقابل، شهدت شركة Apex Trader Funding نموًا هائلاً في عدد المتداولين خلال السنوات الثلاث الماضية. وذكر دان كوك، رئيس قسم الاستراتيجية في Apex Trader Funding، أن المبلغ الذي دفعته الشركة للمتداولين كعائدات ارتفع بحوالي ستة أضعاف في العام الماضي وحده. ويعزو كوك هذا النمو إلى زيادة الوعي بالتداول الاحترافي، وتوفر منصات التداول عبر الإنترنت، وإمكانية الوصول إلى رأس المال دون الحاجة إلى استثمار مبالغ كبيرة من المال الشخصي.
يرى بعض الخبراء أن التداول الاحترافي يمثل فرصة حقيقية للمتداولين الموهوبين، ولكنه يحمل أيضًا مخاطر كبيرة. ويجب على المتداولين أن يكونوا على دراية بهذه المخاطر وأن يتعاملوا معها بحذر.
في الختام، يشهد مجال التداول الاحترافي نموًا متزايدًا، مدفوعًا بالاهتمام المتزايد من قبل المتداولين الشباب. ومع ذلك، يجب على المتداولين أن يكونوا على دراية بالشروط والتحديات التي تواجههم، وأن يلتزموا باستراتيجيات إدارة المخاطر الصارمة. من المتوقع أن تستمر شركات التداول الاحترافي في التوسع والابتكار في السنوات القادمة، مما قد يؤدي إلى زيادة المنافسة وتحسين الخدمات المقدمة للمتداولين. يبقى من المهم مراقبة التطورات التنظيمية في هذا المجال، وتقييم تأثيرها على نمو واستدامة صناعة التداول الاحترافي.

