شهدت السنوات الأخيرة اهتمامًا متزايدًا بتقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) في مختلف القطاعات، ولكن السؤال الذي طالما أثار قلق المستثمرين والخبراء في وادي السيليكون وول ستريت هو: هل ستتحول الشركات فعليًا إلى إنفاق الأموال على هذه التقنيات، أم أن الضجة الإعلامية تفوق الميزانيات المتاحة؟ تشير دراسة حديثة أجرتها RBC Capital إلى أن الإجابة قد تكون واضحة الآن، وهي نعم قاطعة، مع توقعات بزيادة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي بشكل ملحوظ في عام 2026.
استطلعت RBC آراء 117 متخصصًا في تكنولوجيا المعلومات من شركات مختلفة، تتراوح إيراداتها السنوية بين أقل من 250 مليون دولار وأكثر من 25 مليار دولار. وكشفت النتائج أن 90٪ من المستجيبين أشاروا إلى أن مؤسساتهم تخطط لزيادة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي في عام 2026. يعكس هذا التوجه تحولًا في نظرة الشركات إلى الذكاء الاصطناعي من مجرد تجربة إلى استثمار استراتيجي.
تزايد الإنفاق على الذكاء الاصطناعي: نظرة على الميزانيات المستقبلية
أظهر تحليل RBC تفاؤلاً متزايدًا بشأن استقرار الميزانيات الكلية والتحول الرقمي، بالإضافة إلى سرعة تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدية (GenAI). وأشار المحللون إلى أن الشركات لم تعد تتردد في تخصيص ميزانيات محددة لتطوير وتنفيذ مشاريع الذكاء الاصطناعي.
وكشفت الدراسة أن 90٪ من قادة التكنولوجيا أعلنوا عن إنشاء ميزانيات جديدة خصيصًا لمشاريع الذكاء الاصطناعي التوليدية ونماذج اللغة الكبيرة (LLM)، بزيادة قدرها 5٪ مقارنة بالعام السابق. يشير هذا إلى أن الذكاء الاصطناعي يمثل إضافة نوعية إلى الإنفاق التكنولوجي للشركات، وليس مجرد بديل للإنفاق الحالي.
بالإضافة إلى ذلك، صرح 60٪ من المشاركين بأنهم بالفعل في مرحلة الإنتاج مع مبادرات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يمثل ارتفاعًا كبيرًا مقارنة بنسبة 39٪ في العام الماضي. ويتوقع 32٪ آخرون الانتقال إلى مرحلة الإنتاج خلال الأشهر الستة القادمة. هذا التحول يؤكد أن الشركات تتجاوز مرحلة المشاريع التجريبية وتنتقل إلى التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي.
تطبيقات الذكاء الاصطناعي تتوسع
بعد شهور من الشكوك حول قدرة الشركات على تحويل المشاريع التجريبية إلى إنفاق حقيقي، يبدو أن هذه اللحظة قد حانت. أكد قادة تكنولوجيا المعلومات بشكل ساحق أن الذكاء الاصطناعي هو الفئة الأولى من حيث زيادة الإنفاق على البرمجيات في العام المقبل، متجاوزًا الأمن السيبراني وإدارة خدمات تكنولوجيا المعلومات.
وفي ردود مفتوحة، ذكر المسؤولون التنفيذيون مرارًا وتكرارًا أن الذكاء الاصطناعي هو مجال الاستثمار الأكبر لعام 2026، وغالبًا ما اقترن ذلك بترقيات البنية التحتية ومبادرات الأتمتة، وفقًا لمسح RBC. يشير هذا إلى أن الشركات لا تنظر إلى الذكاء الاصطناعي كحل مستقل، بل كجزء لا يتجزأ من استراتيجية التحول الرقمي الشاملة.
تتجاوز حالات الاستخدام الآن نطاق التجارب. فقد ذكر 76٪ من قادة تكنولوجيا المعلومات أن استراتيجيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم تستهدف الآن تحقيق كل من توفير التكاليف وزيادة الإيرادات، وهو ما يعزز الانتقال من مجرد تقنية جديدة إلى ضرورة تنافسية. هذا التحول يعكس إدراك الشركات للإمكانات الحقيقية للذكاء الاصطناعي في تحسين الكفاءة التشغيلية وتعزيز النمو.
على الرغم من وجود بعض المخاوف – مثل الخصوصية – إلا أن هذه المخاوف لم تعد تعيق عملية التبني. بل إن الذكاء الاصطناعي أصبح القوة الدافعة الرئيسية لتوسيع ميزانيات تكنولوجيا المعلومات مع اقتراب عام 2026. تعتبر قضايا البيانات والتحليلات (Data & Analytics) من المجالات الثانوية التي تتقاطع مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
تتزايد أهمية البنية التحتية السحابية (Cloud Infrastructure) أيضًا، حيث تحتاج الشركات إلى قدرات حوسبة هائلة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي المعقدة. وبالتالي، فإن الاستثمار في البنية التحتية السحابية يعتبر مكملًا أساسيًا لتبني الذكاء الاصطناعي.
من المتوقع أن يشهد العام القادم المزيد من الاستثمارات في تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي المتخصصة، والتي تلبي احتياجات محددة في مختلف الصناعات. كما يتوقع أن تزداد المنافسة بين الشركات في مجال الذكاء الاصطناعي، مما سيؤدي إلى تسارع وتيرة الابتكار.
في الختام، تشير البيانات إلى أن الشركات تتبنى الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد، وأن الإنفاق على هذه التقنية سيستمر في النمو في المستقبل القريب. الخطوة التالية المتوقعة هي زيادة التركيز على قياس عائد الاستثمار (ROI) لمشاريع الذكاء الاصطناعي، وتحديد المجالات التي يمكن تحقيق أكبر قدر من الفائدة. ومع ذلك، لا تزال هناك بعض أوجه عدم اليقين، مثل التطورات التنظيمية المحتملة وتوافر المواهب المتخصصة، والتي يجب مراقبتها عن كثب.

