أسعار النفط في طريقها لتسجيل أكبر انخفاض سنوي لها منذ انهيار عام 2020 بسبب مخاوف من زيادة المعروض، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية المتزايدة على روسيا نتيجة العقوبات والخصومات. ويتداول سعر خام غرب تكساس الوسيط، وهو المعيار الأمريكي، حول 58 دولارًا للبرميل، وهو ما يمثل انخفاضًا يقارب 20٪ خلال العام. في هذه الأثناء، يتداول سعر خام برنت حول 61 دولارًا للبرميل.
يمثل هذا الهبوط في أسعار النفط تحديًا للدول المصدرة، وله تداعيات على الاقتصاد العالمي. ويأتي ذلك في ظل استمرار حالة عدم اليقين الجيوسياسي وتباطؤ النمو الاقتصادي في بعض المناطق الرئيسية المستهلكة للنفط. حيث أن هبوط الأسعار يثير تساؤلات حول آفاق إنتاج الطاقة واستثمارات المستقبل.
الضغوط على أسعار النفط وتأثيرها على روسيا
تعزى الاتجاهات الهابطة في أسعار النفط إلى زيادة الإنتاج من قبل العديد من الدول المصدرة، وانخفاض معدل نمو الطلب العالمي. وفقًا لتقارير عديدة، لم تعد الزيادات في المعروض تتماشى مع التوقعات السابقة للطلب.
وعلى الرغم من التوترات الجيوسياسية المستمرة، مثل الهجمات الأمريكية على إيران في يونيو والحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على ناقلات النفط الفنزويلية، إلا أن تأثير هذه الأحداث على الأسعار كان محدودًا بشكل ملحوظ. ويرجع ذلك جزئيًا إلى شعور متزايد بالاعتياد على التطورات الجيوسياسية، بالإضافة إلى توقعات بوجود فائض في المعروض في وقت لاحق من العام.
أشار وارن باترسون، رئيس قسم استراتيجية السلع في ING، إلى نقص التقلبات في أسواق النفط هذا العام، على الرغم من الأحداث الجيوسياسية المتعددة ومخاطر الإمداد. يعزو باترسون هذا الأمر إلى حالة من الرضا عن التطورات الجيوسياسية وتزايد التوقعات بوجود فائض في العرض.
التأثير الاقتصادي على روسيا
بالنسبة لروسيا، فاقمت أسعار النفط المنخفضة تأثير العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب غزوها لأوكرانيا في فبراير 2022. وقد زادت الخصومات على النفط الروسي المباع في موانئ التصدير، مما أدى إلى تقليص أرباح المصدرين في الوقت الذي أصبحت فيه إيرادات الطاقة أكثر أهمية للإدارة الروسية.
تشير بيانات رويترز إلى أن خام برنت الروسي كان يُباع بخصومات تتراوح بين 20 و 30 دولارًا للبرميل في ديسمبر، وهو أوسع فجوة له في الموانئ منذ أوائل عام 2022. ويعكس هذا الهامش المتزايد صعوبة روسيا في إيجاد أسواق مستقرة لمنتجاتها النفطية.
وكشف تحليل لـ Goldman Sachs أن إيرادات روسيا من تصدير النفط، مقاسة بالروبل، انخفضت بنسبة 50٪ هذا العام، حيث انخفضت من 7.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.7٪ فقط. وهذا الانخفاض الكبير يؤثر بشكل مباشر على قدرة الحكومة الروسية على تمويل الإنفاق العام.
تراجع النمو الاقتصادي الروسي
يأتي هذا الضغط في الوقت الذي يتباطأ فيه زخم الاقتصاد الروسي. فقد نما الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة 0.6٪ في الربع الثالث من العام، وهو أبطأ من معدل النمو البالغ 1.1٪ في الربع الثاني و 1.4٪ في الربع الأول. وتشير هذه البيانات إلى أن الاقتصاد الروسي يواجه صعوبات في الحفاظ على وتيرة النمو السابقة.
ويتوقع البنك المركزي الروسي تباطؤًا حادًا في النمو الاقتصادي. وتوقع البنك حاليًا أن يتراوح نمو الاقتصاد بين 0.5٪ و 1.5٪ في عام 2026، وخفض прогноза النمو لعام 2025 إلى 0.5٪ – 1٪، مقارنة بالتوقعات السابقة. ورغم ذلك، سجل الاقتصاد الروسي نموًا بنسبة 4.3٪ في عام 2024، مدفوعًا بالإنفاق الدفاعي والإعانات الحكومية وارتفاع إيرادات الطاقة.
كما ساهم ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في بداية العام في دعم الاقتصاد الروسي، لكن هذا التأثير بدأ يتلاشى مع انخفاض الأسعار وزيادة المنافسة من مصادر أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تأثير العقوبات الغربية لا يقتصر على قطاع الطاقة، بل يمتد ليشمل قطاعات أخرى مثل التكنولوجيا والمالية، مما يزيد من الضغوط على الاقتصاد الروسي.
توقعات مستقبلية
من المتوقع أن يستمر الضغط على أسعار النفط في المدى القريب، مع استمرار زيادة المعروض العالمي وتراجع التوقعات بشأن نمو الطلب. ومع ذلك، فإن أي تصعيد جيوسياسي جديد أو اضطرابات كبيرة في الإمدادات يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. ومن بين العوامل التي يجب مراقبتها بشكل خاص، قرارات أوبك+ بشأن الإنتاج، والوضع الاقتصادي في الصين، وتطورات الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط.
كما أن تطورات الاقتصاد العالمي وأداء الدول الرئيسية المستهلكة للنفط ستلعب دورًا حاسمًا في تحديد مسار الأسعار في الأشهر المقبلة. من المرتقب أن تُراجع منظمة أوبك+ سياساتها الإنتاجية في اجتماعها القادم، مما قد يؤثر على معايشة أسعار النفط.

