تواجه الولايات المتحدة احتمالًا متزايدًا لدخول مرحلة من الركود التضخمي في عام 2026، وفقًا لتحليل حديث صادر عن بنك RBC. يشير هذا السيناريو الاقتصادي، الذي يجمع بين النمو البطيء وارتفاع التضخم، إلى تحديات كبيرة للاقتصاد الأمريكي والسياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي.
خلص خبراء RBC إلى أن الاقتصاد الأمريكي يتجه نحو وضع “ركود تضخمي خفيف” بحلول عام 2026، حيث من المتوقع أن يظل النمو دون المستوى المطلوب بينما يستمر التضخم في الارتفاع بشكل “مقلق”. ويأتي هذا التقييم في ظل استمرار الضغوط التضخمية وتزايد المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
أسباب ترجح سيناريو الركود التضخمي
يعد الركود التضخمي، حتى في نسخته “الخفيفة”، تطورًا مقلقًا للاقتصاد الأمريكي، حيث يقلل من قدرة البنك المركزي على الاستجابة للأزمات الاقتصادية. فارتفاع معدلات التضخم يحد من إمكانية خفض أسعار الفائدة لتحفيز النمو، مما يضع الاحتياطي الفيدرالي في موقف صعب.
ارتفاع تكاليف الإسكان
وفقًا لـ RBC، تعتبر تكاليف الإسكان المرتفعة أحد العوامل الرئيسية التي تدعم استمرار التضخم الأساسي في الولايات المتحدة. يرتفع هذا المقياس، الذي يستثني أسعار السلع والأغذية والطاقة المتقلبة، بنحو 3.5٪ على أساس سنوي، مما يشير إلى زخم أكبر في نمو الأسعار في الاقتصاد.
على الرغم من تباطؤ وتيرة ارتفاع أسعار المنازل مؤخرًا، إلا أنها سجلت ارتفاعًا كبيرًا خلال السنوات الخمس الماضية ولا تزال في اتجاه صاعد. فقد ارتفعت قيمة المنازل بنسبة 1.3٪ على أساس سنوي في سبتمبر، وفقًا لمؤشر S&P CoreLogic Case-Shiller National Home Price Index.
وأشار بنك RBC إلى أن “تكلفة الإيجار الموازية للمقيمين”، وهو مقياس آخر لتكاليف الإسكان، ارتفعت أيضًا بنسبة 3.7٪ على أساس سنوي في سبتمبر، وفقًا لبيانات مكتب إحصاءات العمل. ويتضمن ذلك تقديرًا افتراضيًا لما قد يدفعه مالكو المنازل لأنفسهم مقابل استئجار منازلهم، مما يعني أنه من المرجح أن يمارس ضغوطًا تصاعدية على مؤشر أسعار المستهلك الأساسي، ولا يتوقع البنك أن يساعد هذا المقياس في خفض التضخم إلى هدف الاحتياطي الفيدرالي وهو 2٪ في عام 2026.
استمرار نمو الأجور
يلعب ارتفاع الأجور أيضًا دورًا في الحفاظ على التضخم عند مستويات مرتفعة. فقد ارتفعت الأجور بالساعة لجميع الموظفين في القطاع الخاص بنسبة 3.8٪ على أساس سنوي في سبتمبر، وفقًا لبيانات مكتب إحصاءات العمل. ويلاحظ أن التضخم في الخدمات الأساسية، باستثناء تكاليف الإسكان، لم يشهد انخفاضًا في آخر أربعين عامًا.
ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الضغوط التصاعدية من الأجور، حيث لا يتوقع البنك وجود ضغوط انكماشية من هذا القطاع، بل توقعات بانخفاض محدود في معدل التضخم. ويرى الخبراء أنه لا يوجد مسار واضح لخفض الأجور وبالتالي خفض تكلفة الخدمات، وذلك في ظل سوق العمل القوي.
الرسوم الجمركية
تشير RBC إلى أن أسعار السلع من غير المرجح أن تشهد انخفاضًا ملحوظًا. فقد زاد التضخم في أسعار السلع بشكل مطرد على مدار العام الماضي، وبلغ معدل نمو سنوي قدره 1.8٪ في سبتمبر. وكان البنك يتوقع بالفعل ارتفاع أسعار السلع بعد تطبيع سلاسل الإمداد والطلب في الاقتصاد.
ومع ذلك، فإن فرض الرئيس السابق دونالد ترامب لرسوم جمركية متبادلة من المتوقع أن يدعم استمرار التضخم في أسعار السلع. ويؤكد البنك أنه بعد مرور حوالي ثمانية أشهر على “يوم التحرير” (7 أبريل)، لا يزال يعتقد أن الرسوم الجمركية ستثقل كاهل سوق العمل وتزيد من الضغوط التصاعدية على التضخم.
ويشير الخبراء إلى أنهم لم يشهدوا بعد التأثير الكامل للرسوم الجمركية على أسعار السلع الاستهلاكية، ويتوقعون أن تصل إلى ذروتها في الربع الثاني من عام 2026.
الإنفاق الحكومي المرتفع
يتحمل الإنفاق الحكومي المرتفع أيضًا مسؤولية محتملة عن كبح النمو الاقتصادي. فعلى الرغم من أن الإنفاق الحكومي يُنظر إليه عادةً على أنه محفز للاقتصاد، إلا أنه قد يعيق النمو على المدى المتوسط، حيث غالبًا ما يرتبط الإنفاق الأعلى في القطاع العام بانخفاض الإنتاجية.
على الرغم من انكماش الناتج المحلي الإجمالي بشكل طفيف في الربع الأول، إلا أن الاقتصاد تعافى منذ ذلك الحين وشهد نموًا قويًا. فقد من المتوقع أن يرتفع النمو الاقتصادي بنسبة 3.9٪ على أساس سنوي في الربع الثالث، وفقًا لأحدث تقديرات من الاقتصاديين في بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا.
ومع ذلك، فإن الدين الحكومي المتزايد يمثل أيضًا ضغطًا تضخميًا، مما يزيد من حدة المخاوف بشأن الركود التضخمي. فمن المتوقع أن يصل عجز الميزانية الأمريكية إلى 21.1 تريليون دولار على مدى العقد القادم، وفقًا لتوقعات مكتب الميزانية في الكونغرس الصادرة في بداية عام 2025.
في الختام، يشير تحليل RBC إلى أن الولايات المتحدة قد تواجه تحديات اقتصادية كبيرة في عام 2026. وهناك حاجة إلى مراقبة دقيقة لتطورات الأجور، وتكاليف الإسكان، والسياسات التجارية، والإنفاق الحكومي لتقييم مسار الاقتصاد الأمريكي بشكل أفضل. وستكون البيانات الاقتصادية القادمة حاسمة في تحديد ما إذا كان سيناريو الركود التضخمي سيتحقق بالفعل، وما هو مدى تأثيره على الاقتصاد العالمي.

