في الشهر الماضي، أصبح مفهوم “الدورة الاقتصادية” (circularity) محور اهتمام المستثمرين، الذين يتخوفون من شبكة المعاملات المعقدة لشركات التكنولوجيا الكبرى وتأثيرها المحتمل على استقرار الأسواق. الآن، يظهر مصدر قلق جديد: الاستهلاك بالإهلاك. تتزايد المخاوف بشأن انخفاض قيمة وحدات معالجة الرسومات (GPUs) والرقائق شبه الموصلة باهظة الثمن التي تشتريها الشركات بشكل أسرع مما هو متوقع، مما قد يزيد من الأعباء التكاليفية ويؤثر سلبًا على الأرباح. هذا يثير جدلاً حول مستقبل الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي.
تزايد مخاوف الاستهلاك بالإهلاك وأثره على أسهم الذكاء الاصطناعي
أثار المستثمرون الشهيرون المتخصصون في البيع على المكشوف، مثل مايكل بيري وجيم تشانوس، مؤخرًا مخاوف بشأن الاستهلاك بالإهلاك كسبب رئيسي لشكوكهم حول الاستثمار في الذكاء الاصطناعي. ويرى هؤلاء المستثمرين أن تقديرات الشركات الكبرى للاستهلاك بالإهلاك قد تكون منخفضة بشكل كبير.
قدر بيري، في منشور حديث على منصة X، أن شركات التكنولوجيا الكبرى ستقلل من قيمة الاستهلاك بالإهلاك بمقدار 176 مليار دولار أمريكي بين عامي 2026 و 2028. وأشار إلى أنه يعتقد أن عمر الرقائق الافتراضي يبلغ سنتين إلى ثلاث سنوات فقط، وهو أقصر بكثير من الست سنوات التي تتوقعها الشركات عادةً.
تحليل الاستثمار وتوقعات الاستهلاك بالإهلاك
الأمر لا يقتصر على المستثمرين المعروفين بالبيع على المكشوف فحسب، فالعديد من المحللين الماليين يراقبون قضايا الاستهلاك بالإهلاك عن كثب. وفقًا لبيتر بيريزين، كبير الاستراتيجيين العالميين في BCA Research، فإن الشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا قد تمتلك ما قيمته 2.5 تريليون دولار أمريكي في أصول الذكاء الاصطناعي بحلول نهاية العقد الحالي.
أفاد بيريزين في منشور على LinkedIn أن معدل الاستهلاك بالإهلاك بنسبة 20٪ سيؤدي إلى نفقات استهلاك سنوية تبلغ 500 مليار دولار أمريكي، وهو ما يتجاوز إجمالي أرباح هذه الشركات لعام 2025. هذا يشير إلى أن ارتفاع الإنفاق الرأسمالي على الذكاء الاصطناعي قد لا يترجم بالضرورة إلى نمو كبير في الأرباح الصافية.
كاي وو، المؤسس والمدير التنفيذي للاستثمار في Sparkline Capital، قدم تقريرًا يشير إلى أن قيمة الاستهلاك بالإهلاك يمكن أن ترتفع من 150 مليار دولار أمريكي سنويًا إلى 400 مليار دولار أمريكي في السنوات الخمس المقبلة. وأضاف وو أن الأرباح الصافية للشركات السبع الكبرى (Magnificent 7) ستتأثر سلبًا في السنوات القادمة بسبب ارتفاع نفقات الاستهلاك بالإهلاك المرتبطة بإنفاقها الرأسمالي المتزايد.
يعتقد العديد من المحللين أن افتراض الشركات الكبرى لعمر افتراضي يتراوح بين 5 و 6 سنوات لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي قد يكون متفائلاً للغاية، وأن دورة استبدال وحدات معالجة الرسومات (GPUs) من Nvidia تتسارع. بناءً على هذا الجدول الزمني الأسرع للاستهلاك بالإهلاك، قد يتجاوز الإنفاق الحالي على الذكاء الاصطناعي مستويات ذروة الإنفاق خلال فقاعة الإنترنت، بل وحتى خلال فترة بناء السكك الحديدية.
الجدل المستمر حول تقديرات الاستهلاك بالإهلاك
على الرغم من هذه المخاوف المتزايدة، فإن هذا الرأي حول الاستهلاك بالإهلاك لم يحظ بعد بقبول واسع في وول ستريت أو في صناعة الذكاء الاصطناعي نفسها. فلا يزال العديد من الاستراتيجيين الرئيسيين يمتنعون عن التحذير من مثل هذا التهديد. ومع ذلك، فإن احتمال صحة هذه النظرية يبدو أنه يعيق التقدم السريع الذي كان يشهده سوق الذكاء الاصطناعي.
في مذكرة لعملائها بتاريخ 17 نوفمبر، ذكرت محللة Bernstein، ستايسي راسجون، أن وحدات معالجة الرسومات (GPUs) يمكن أن تعمل بشكل مربح لمدة 6 سنوات تقريبًا، وأن عملية الاستهلاك بالإهلاك التي تتبعها معظم الشركات الكبرى تبدو معقولة. هذا الرأي يمثل وجهة نظر مختلفة عن تلك التي قدمها المحللون الآخرون.
تشير التقديرات الحالية إلى أن الشركات قد تستثمر مبالغ كبيرة في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، ولكن الوقت وحده هو الذي سيحدد ما إذا كانت هذه الاستثمارات ستؤدي إلى عوائد طويلة الأجل أم سيتأثر أداء الشركات بسرعة بسبب ارتفاع نفقات الاستهلاك بالإهلاك. هذا التطور قد يؤدي إلى تقييمات أكثر واقعية لشركات الذكاء الاصطناعي.
في الأسابيع القادمة، من المتوقع أن يتتبع المستثمرون عن كثب تقارير الأرباح الصادرة عن شركات التكنولوجيا الكبرى، مع التركيز بشكل خاص على مدى دقة تقديرات الاستهلاك بالإهلاك التي تستخدمها هذه الشركات. ستكون البيانات المتعلقة بالعمر الافتراضي الفعلي للرقائق والوحدات المستخدمة في مراكز البيانات ذات أهمية خاصة، حيث ستساعد في تحديد ما إذا كانت المخاوف المتعلقة بالاستهلاك بالإهلاك مبررة أم لا. تعتبر دقة هذه التقديرات أمرًا بالغ الأهمية لفهم الآفاق المستقبلية للاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي.

