يشهد قطاع التكنولوجيا استثمارات رأسمالية ضخمة مدفوعة بالشركات الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي مثل OpenAI، وهو اتجاه رئيسي في السوق هذا العام. ومع ذلك، يرى بنك أوف أمريكا أن هذه الدورة قد تؤدي في النهاية إلى مشاكل لعمالقة التكنولوجيا الكبرى. وتشير التحليلات إلى أن العلاقة بين شركات الحوسبة السحابية و OpenAI تحمل في طياتها مخاطر استراتيجية، خاصةً مع تزايد اعتماد هذه الشركات على OpenAI كعميل، وتزامنًا مع منافستها المتزايدة له.
أثار حجم الإنفاق المتزايد لـ OpenAI تساؤلات حول مدى استدامته، خاصةً مع تجاوز التزاماته المالية الإيرادات المتوقعة. لكن المحلل في بنك أوف أمريكا، جاستن بوست، يرى أن المشكلة قد لا تكمن في قدرة OpenAI على تحقيق أهدافها، بل في تأثير ذلك على الشركات التكنولوجية الكبرى التي أبرمت معها صفقات. يجب على المستثمرين النظر إلى الصورة الأكبر المتعلقة بكيفية إعادة تشكيل OpenAI للمشهد التكنولوجي.
مخاطر النمو لـ OpenAI على عمالقة التكنولوجيا
وفقًا لبنك أوف أمريكا، هناك ثلاثة أسباب رئيسية تدفع شركات الحوسبة السحابية إلى إضافة OpenAI كعميل: أهمية دعم توسع نطاق الذكاء الاصطناعي في السحابة، إمكانية العثور على قدرة حوسبية بديلة، وإمكانية إقامة شراكات أعمق لدمج نماذج OpenAI المتطورة في منصات السحابة. ومع ذلك، يضيف بوست أن OpenAI ستواصل النمو لتصبح منافسًا حقيقيًا لشركات التكنولوجيا الكبرى في كل من أسواق المؤسسات والمستهلكين.
التوسع في قطاعات جديدة
لا يقتصر طموح OpenAI على تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، بل يمتد ليشمل التوسع في مجالات مثل الإعلانات ومنصات المعاملات الذكية القادرة على إنجاز المهام وإجراء عمليات الشراء للمستخدمين. هذا التوسع يضع OpenAI في مواجهة مباشرة مع شركات مثل ميتا ومنصات يوتيوب، مما قد يؤثر سلبًا على حصتها في سوق الإعلانات الرقمية.
تقديرات إيرادات OpenAI الجديدة تصل إلى 41 مليار دولار بحلول عام 2030، وهو ما قد يشمل عائدات من الإعلانات والعمولات على التجارة الإلكترونية. يمثل هذا الرقم حوالي 8٪ من التوقعات الصناعية للإيرادات الإعلانية وعمولات التجارة الإلكترونية في عام 2030، وفقًا لتقديرات بنك أوف أمريكا. وهذا يشير إلى أن OpenAI لا تسعى فقط إلى أن تكون مزودًا للتكنولوجيا، بل لاعبًا رئيسيًا في هذه الأسواق.
على الرغم من الفوائد قصيرة الأجل التي قد تجنيها شركات التكنولوجيا من الشراكة مع OpenAI، مثل الارتفاع السريع في أسعار الأسهم، إلا أن بنك أوف أمريكا مقتنع بأن OpenAI يجب أن تُعتبر تهديدًا لعمالقة التكنولوجيا. وبينما قد يكون هناك خطر محدود على الإيرادات السحابية، إلا أن المخاطر التنافسية في مجالات البحث والتجارة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي للمؤسسات تفوق هذه المخاطر. وفي هذا السياق، يعد الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) المحرك الرئيسي لهذه التغيرات.
تأثيرات محتملة على سوق الحوسبة السحابية
قد يؤدي الإنفاق الهائل لـ OpenAI على البنية التحتية للحوسبة السحابية إلى زيادة العرض، مما قد يضغط على أسعار الخدمات السحابية. بالإضافة إلى ذلك، إذا لم تحقق OpenAI أهدافها الداخلية، فقد يؤدي ذلك إلى عدم استغلال كامل القدرة الحوسبية المتعاقد عليها، مما يزيد من مشكلة الفائض في السعة. هذا السيناريو يثير قلقًا خاصًا بشأن مستقبل شركات مثل أمازون ويب سيرفيسز (AWS) ومايكروسوفت أزور وجوجل كلاود.
يرى بعض المحللين أن هذا الاستثمار الضخم في البنية التحتية الذكاء الاصطناعي هو أمر ضروري لتلبية الطلب المتزايد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يحذر بنك أوف أمريكا من أن هذا الطلب قد لا يكون مستدامًا على المدى الطويل، وأن الشركات قد تجد نفسها عالقة في استثمارات باهظة الثمن دون عائد كافٍ. ولا شك أن الاستثمار في البنية التحتية (infrastructure) أمر بالغ الأهمية لنجاح مشاريع الذكاء الاصطناعي، ولكن يجب أن يتم ذلك بحذر وتخطيط دقيق.
في المقابل، قد ترحب الشركات الأخرى التي تقدم خدمات الحوسبة السحابية بهذا الوضع، حيث يمكنها أن تستفيد من الفائض في السعة لخفض التكاليف وزيادة قدرتها التنافسية. كما أن تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى ظهور فرص جديدة في مجالات مثل تحليل البيانات والأمن السيبراني. هذا التطور التكنولوجي يفتح الباب أمام المزيد من الابتكار والنمو في قطاع التكنولوجيا بشكل عام.
النظرة المستقبلية
من المتوقع أن يستمر OpenAI في الاستثمار بكثافة في البنية التحتية للحوسبة السحابية وتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة. يجب على المستثمرين مراقبة عن كثب التقدم الذي تحرزه الشركة في تحقيق أهدافها الإيرادية، بالإضافة إلى تأثيرها على أسعار الخدمات السحابية والمنافسة في سوق التكنولوجيا. وتعد التوقعات المالية (financial forecasts) لـ OpenAI مؤشرًا مهمًا على مستقبل هذه الصناعة.
لا يزال من غير الواضح كيف ستتطور العلاقة بين OpenAI وشركات التكنولوجيا الكبرى على المدى الطويل. هل ستستمر هذه الشركات في دعم OpenAI كعميل، أم أنها ستعتبرها تهديدًا يجب التصدي له؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد إلى حد كبير مستقبل قطاع الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.

