النحاس، المعدن الذي طالما اعتبر منافسًا للذهب، يشهد صعودًا ملحوظًا في الأسواق العالمية هذا العام. حيث يتجه سعر النحاس نحو تسجيل أفضل أداء سنوي له منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2009، مدفوعًا بالطلب المتزايد من قطاع الذكاء الاصطناعي والتحديات في جانب العرض. وقد بلغ سعر الطن الواحد من النحاس في بورصة لندن للمعادن حوالي 12,222 دولارًا أمريكيًا يوم الثلاثاء، وهو مستوى قريب من أعلى سعر له على الإطلاق.
صعود النحاس: لماذا يبرز هذا المعدن؟
يشهد النحاس زخمًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، الأمر الذي لم يعهده منذ سنوات طويلة. ويعود هذا الارتفاع إلى عدة عوامل متضافرة، أبرزها التفاؤل بشأن تطبيقات الذكاء الاصطناعي، واختلال التوازن بين العرض والطلب، والتوترات التجارية العالمية. ويُعد النحاس مكونًا أساسيًا في البنية التحتية لمراكز البيانات التي تدعم تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يجعله خيارًا استثماريًا جذابًا.
الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات
الطلب على النحاس يتزايد بشكل كبير بسبب النمو الهائل في قطاع الذكاء الاصطناعي. حيث تتطلب مراكز البيانات كميات هائلة من النحاس لتوصيل الطاقة وأنظمة التبريد. تعتبر هذه المراكز بمثابة العمود الفقري لعمليات الذكاء الاصطناعي، وستستمر الحاجة إليها في الازدياد مع استمرار تطور هذه التقنيات.
تحديات العرض والطلب
تواجه صناعة النحاس حاليًا تحديات في جانب العرض، بما في ذلك اضطرابات في الإنتاج في بعض الدول الرئيسية المنتجة. في الوقت نفسه، يزداد الطلب على النحاس بشكل كبير، لا سيما مع التحول العالمي نحو الكهرباء والمركبات الكهربائية والبنية التحتية الخضراء. هذا التفاوت بين العرض والطلب يدفع الأسعار إلى الارتفاع بشكل مستمر.
التعريفات الجمركية وتأثيرها على الأسعار
ساهمت التعريفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة مؤخرًا على بعض أنواع النحاس والمنتجات النحاسية بشكل كبير في ارتفاع الأسعار. حيث أعلنت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عن فرض تعريفة جمركية بنسبة 50% على هذه السلع، مما أدى إلى زيادة الطلب على النحاس وتخزين الشركات لكميات كبيرة منه تحسبًا لارتفاع التكاليف. هذا بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المعادن بشكل عام، حيث سجل الذهب أيضًا مكاسب كبيرة هذا العام، مما ساهم في ارتفاع أسعار النحاس.
يشير تحليل للاقتصادي البارز ديفيد روزنبرغ إلى أن النحاس سجل ثمانية أيام متتالية من المكاسب حتى يوم الثلاثاء، وهي أطول سلسلة انتصارات له منذ ثماني سنوات. ويعزو روزنبرغ هذا الأداء القوي إلى “مخاوف مستمرة بشأن نقص المعروض”.
يرى محللون في بنك جي بي مورغان أن أسعار النحاس قد ترتفع إلى حوالي 12,500 دولار أمريكي للطن الواحد في النصف الأول من العام المقبل. ويستند هذا التوقع إلى استمرار عوامل الدعم مثل الطلب القوي من قطاع الذكاء الاصطناعي وإمكانية تخفيف التعريفات الجمركية. فيما يتوقع بنك جولدمان ساكس أن يصل سعر النحاس إلى 15,000 دولار أمريكي للطن الواحد على مدى العقد المقبل، مما يمثل زيادة محتملة بنسبة 22% عن المستويات الحالية.
وأشار بنك جولدمان ساكس في مذكرة موجهة إلى العملاء إلى أن “النحاس يظل المعدن الصناعي المفضل لدينا على المدى الطويل، نظرًا لقيوده الفريدة على العرض والنمو القوي هيكليًا في الطلب”. ويعتقد المحللون أن الطلب المتزايد على النحاس من قطاعات مثل الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية سيواصل دفع الأسعار إلى الأعلى. وبشكل عام، يُنظر إلى النحاس كخيار استثماري واعد في ظل التطورات التكنولوجية والاقتصادية الحالية.
ومع ذلك، لا تزال هناك بعض المخاطر التي قد تؤثر على أداء النحاس في المستقبل. منها التباطؤ الاقتصادي العالمي الذي قد يقلل من الطلب على المعادن الصناعية، والتقلبات في أسعار العملات، والتغيرات في السياسات التجارية. لذا، يجب على المستثمرين متابعة هذه العوامل عن كثب وتقييم المخاطر قبل اتخاذ أي قرارات استثمارية. من المتوقع أن تشهد الأسواق مزيدًا من الوضوح بشأن هذه التوجهات في الأشهر القادمة، خاصة مع صدور البيانات الاقتصادية وتقارير الأرباح للشركات العاملة في قطاع النحاس.

