في عام 2026، سيبلغ جيل طفرة المواليد، الجيل الذي شهد تحولات جذرية في المجتمع الأمريكي، عامه الثمانين. هذا الجيل، الذي يمثل نقطة تحول ديموغرافية واجتماعية، لم يكن مجرد مجموعة سكانية كبيرة، بل كان قوة دافعة وراء التغيير الثقافي والسياسي في الولايات المتحدة. من الهولا هوب إلى احتجاجات حرب فيتنام، ومن موسيقى الروك أند رول إلى ثورة الحقوق المدنية، ترك جيل طفرة المواليد بصمة لا تُمحى على تاريخ أمريكا. ومع اقترابهم من عقد الثمانينيات، يساهم هذا الجيل بشكل متزايد في التغيرات الديموغرافية التي تشهدها البلاد، بما في ذلك شيخوخة السكان وتضاؤل نسبة الشباب.
من هم جيل طفرة المواليد؟
يُعرّف جيل طفرة المواليد (Baby Boomers) بأنهم الأشخاص الذين ولدوا في الفترة بين عامي 1946 و 1964، وهي الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وشهدت ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات المواليد. يعود هذا الارتفاع إلى لم شمل العائلات بعد الحرب والازدهار الاقتصادي الذي أعقبها. هذا الجيل، الذي يضم شخصيات بارزة مثل الممثل هنري وينكلر ولاعب البيسبول ريجي جاكسون والمغنيتين شير ودولي بارتون، بالإضافة إلى رؤساء سابقين مثل دونالد ترامب وجورج دبليو بوش وبيل كلينتون، يتميز بحجمه الكبير وتأثيره العميق على مختلف جوانب الحياة الأمريكية.
تأثير جيل طفرة المواليد على المجتمع الأمريكي
في شبابهم، كان جيل طفرة المواليد في طليعة الحركات الاجتماعية التي غيرت وجه أمريكا. شاركوا بنشاط في حركة الحقوق المدنية، وحركة حقوق المرأة، والاحتجاجات ضد حرب فيتنام. لم يكتفوا بالوضع الراهن، بل سعوا إلى تحدي الأعراف التقليدية والدفاع عن قيم جديدة. كما أنهم كانوا الجيل الأول الذي احتضن التلفزيون بشكل كامل، مما أثر على ثقافتهم وتطلعاتهم.
“كان لدينا موسيقى الروك أند رول. وكنا الجيل الأول الذي خرج وتظاهر في الشوارع. كنا الجيل الأول، وكان ذلك، كما تعلمون، جيلاً واعياً اجتماعياً”، هكذا عبّرت ديان ويست، إحدى سيدات أتلانتا اللواتي سيبلغن الثمانين في يناير القادم، عن روح هذا الجيل.
ومع ذلك، لم يخلُ هذا الجيل من الانتقادات. أُطلق عليهم لقب “جيل الأنا” (Me Generation) من قبل الكاتب توم وولف، في إشارة إلى ما اعتبره البعض انشغالهم بالذات ونزعتهم الاستهلاكية.
شيخوخة السكان وتأثيرها على أمريكا
مع تقدم جيل طفرة المواليد في العمر، أصبحوا قوة دافعة وراء شيخوخة السكان في الولايات المتحدة. بحلول نهاية هذا العقد، سيكون جميع أفراد هذا الجيل في سن 65 عامًا أو أكبر. وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يمثل كبار السن (65 عامًا أو أكثر) ما يقرب من 23% من إجمالي السكان، بينما ستنخفض نسبة الأطفال دون سن 18 عامًا إلى 18.4%.
هذه التحولات الديموغرافية لها آثار اقتصادية واجتماعية عميقة. مع انخفاض عدد العمال الذين يدفعون الضرائب، سيتعرض الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية لضغوط متزايدة. ففي عام 2025، كان هناك حوالي 34 من كبار السن لكل 100 عامل، ولكن من المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 50 لكل 100 في غضون الثلاثين عامًا القادمة.
فجوة الأجيال وتأثيرها على المستقبل
بالإضافة إلى شيخوخة السكان، يشهد المجتمع الأمريكي فجوة متزايدة بين الأجيال. الأجيال الشابة، مثل جيل الألفية والجيل Z، تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية مختلفة تمامًا عن تلك التي واجهها جيل طفرة المواليد.
تؤخر النساء إنجاب الأطفال، ويركزن على التعليم والحياة المهنية. كما أن ارتفاع تكاليف السكن ورعاية الأطفال يجعل تربية الأطفال أمرًا صعبًا. نتيجة لذلك، انخفض معدل الخصوبة في الولايات المتحدة بشكل مستمر منذ الركود الكبير في عام 2008، ليصل إلى 1.6 في عام 2025، وهو أقل بكثير من المعدل اللازم للحفاظ على عدد السكان.
دراسة حديثة أجراها مكتب الإحصاء الأمريكي أظهرت أن شباب القرن الحادي والعشرين لم يحققوا نفس المعالم التي حققها جيل طفرة المواليد في نفس العمر. ففي عام 1975، انتقل ما يقرب من نصف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و 34 عامًا من منزل والديهم، وحصلوا على وظائف، وتزوجوا وأنجبوا أطفالًا. بينما بحلول أوائل العقد الحالي، حقق أقل من ربع البالغين هذه المعالم.
البحث عن حلول
لمواجهة هذه التحديات، هناك حاجة إلى حلول مبتكرة. يقترح بعض الخبراء، مثل ويليام فراي من معهد بروكينجز، دعم إجازة ما قبل الروضة والإجازة العائلية المدفوعة الأجر، بالإضافة إلى جعل تربية الأطفال أقل تكلفة. ويرى آخرون، مثل نائب الرئيس السابق جي دي فانس والرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك، ضرورة اتخاذ تدابير لتحفيز الخصوبة، مثل منح الآباء المزيد من سلطة التصويت أو تقديم قروض منخفضة الفائدة للآباء المتزوجين.
في النهاية، يتطلب التعامل مع شيخوخة السكان وفجوة الأجيال جهدًا جماعيًا من جميع أفراد المجتمع. من خلال فهم التحديات التي تواجهها الأجيال المختلفة والعمل معًا لإيجاد حلول مستدامة، يمكن لأمريكا أن تضمن مستقبلًا مزدهرًا لجميع مواطنيها. جيل طفرة المواليد، على الرغم من بلوغه مراحل متقدمة من العمر، لا يزال بإمكانه لعب دور حيوي في تشكيل هذا المستقبل.

