في قلب ولاية نيو هامبشاير، وتحديداً في بلدة فرانكونيا الريفية، تتفاقم أزمة الرعاية الصحية، مهددة صحة ورفاهية السكان المحليين. إغلاق مركز صحي مجتمعي في فرانكونيا، مؤخرًا، أثار ناقوس الخطر حول مستقبل خدمات الرعاية الصحية في المناطق النائية، وأبرز التأثير المدمر لتخفيضات برنامج Medicaid على هذه المناطق. هذا الحدث ليس مجرد خسارة لمنشأة طبية؛ بل هو رمز لتحديات أعمق تواجه نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، خاصة في المجتمعات ذات الدخل المحدود والاعتماد الكبير على المساعدات الحكومية.
أزمة الرعاية الصحية في فرانكونيا: ملامح مقلقة
أعلن مركز خدمات صحة المجتمع أمونوسوك في فرانكونيا، الواقعة في شمال ولاية نيو هامبشاير، إغلاقه بشكل دائم الشهر الماضي، تاركًا حوالي 1400 مريض في حيرة من أمرهم. يعتبر هذا الإغلاق بمثابة صدمة لسكان البلدة التي يبلغ عددها ألف نسمة فقط، والقرى المجاورة مثل إيستون ولينكولن وشوجر هيل. هذه المجتمعات، المحاطة بجمال جبال الألب البيضاء، تعاني من شيخوخة السكان وارتفاع معدلات الأمراض المزمنة، مما يجعل الوصول إلى الرعاية الصحية أمرًا بالغ الأهمية. ويرى المسؤولون في Ammonosuc، بالإضافة إلى السيناتور الديمقراطي، أن تخفيضات برنامج Medicaid هي السبب الرئيسي وراء هذا الإغلاق. هذه التخفيضات تؤثر بشكل خاص على المراكز الصحية المجتمعية، التي تعتمد بشكل كبير على تمويل Medicaid لتقديم الرعاية للمرضى ذوي الدخل المنخفض.
تأثير تخفيضات Medicaid على المراكز الصحية المجتمعية
إن إغلاق مركز فرانكونيا ليس حالة معزولة. ففي جميع أنحاء البلاد، تكافح المراكز الصحية المجتمعية وأنظمة الرعاية الصحية الريفية للتغلب على الصعوبات المالية المتزايدة. تضافرت عدة عوامل لتفاقم هذه الأزمة، بما في ذلك: تخفيضات برنامج Medicaid، الارتفاع الهائل في أسعار التأمين الصحي، والانقطاع الأخير في عمل الحكومة والذي عرقل تمديد الإعفاءات الضريبية التي تساعد الأفراد على تحمل تكاليف التأمين الصحي من خلال قانون الرعاية الميسرة (ACA). تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 100 مستشفى قد أُغلقت خلال العقد الماضي، بينما يواجه أكثر من 700 مستشفى آخر خطر الإغلاق.
أحد الأمثلة الأخرى على هذه الأزمة هو إعلان فرع مركز HealthFirst Family Care Center في كنعان بولاية نيو هامبشاير عن إغلاقه في نهاية أكتوبر، مع إرجاع ذلك جزئيًا إلى “التغييرات في سداد تكاليف برنامج Medicaid والتمويل الفيدرالي”. تعتمد هذه المراكز بشكل كبير على التمويل الفيدرالي، وإذا ما تضاءل هذا التمويل أو توقف، فإن قدرتها على تقديم الخدمات للمرضى تتأثر بشكل كبير. وفقًا لجمعية مراكز الرعاية الصحية المجتمعية الوطنية (NACHC)، تفقد هذه المراكز الأموال بشكل مستمر، وتعتمد بشكل متزايد على الاحتياطيات النقدية، وتضطر إلى إجراء تغييرات في الخدمات، وفي بعض الأحيان إغلاق بعض المواقع للحفاظ على استمراريتها. ويعدّ أن حوالي نصف هذه المراكز لديها أموال نقدية تكفي لأقل من 90 يومًا فقط.
خيارات صعبة وتداعيات مستقبلية
يواجه إد شانشالا، الرئيس التنفيذي لشركة Ammonosuc، خيارات صعبة. فالمركز الذي يديره يعتمد على أكثر من 2 مليون دولار من التمويل الفيدرالي، من ميزانية إجمالية قدرها 12 مليون دولار. وأدى تخفيض برنامج Medicaid إلى عجز قدره 500 ألف دولار، مما جعله يدرك أن إغلاق مركز فرانكونيا سيوفر حوالي نصف هذا المبلغ. كانت هذه المنشأة أيضًا الوحيدة التي تستأجر فيها الشركة مساحة، مما أضاف إلى الأعباء المالية.
يشرح شانشالا: “لم يعد لدينا خيار آخر. الإغلاق سيوفر 250 ألف دولار”. ويضيف أنه من الصعب العثور على تخفيضات إضافية، نظرًا لأن المراكز تقدم خدماتها لأي شخص يكسب أقل من 200٪ من مستويات الفقر الفيدرالية. يخشى شانشالا من أن قطع الخدمات الإضافية قد يدفع بعض المرضى إلى اللجوء إلى غرف الطوارئ بالمستشفيات، أو حتى “التوقف عن الحصول على الرعاية الصحية” بشكل كامل.
معاناة المرضى وتأثير الإغلاق على المجتمع
إن إغلاق مركز فرانكونيا لم يمر دون أثر على المرضى. سوزان بوشبي، مدبرة منزل تبلغ من العمر 70 عامًا، عبّرت عن حبها للموظفين وخوفها من الذهاب إلى مركز صحي جديد. تخشى من صعوبة التنقل في منشأة أكبر، وعدم وجود نفس العلاقة الشخصية مع الأطباء والممرضين. قالت بوشبي والدموع تملأ عينيها: “لقد شعرت بالضيق الشديد. لقد شعرت بالغضب الشديد. أنا أحب المكان هناك حقًا. لا أعرف، سأفتقده حقًا. من الصعب جدًا أن أشرح ذلك، ولكنه سيكون حزينًا”.
بدورها، عبرت مارشا لوس، التي انتقلت مع عائلتها إلى المنطقة في عام 2000، عن قلقها بشأن تأثير الإغلاق على زوجها البالغ من العمر 72 عامًا، وهو رجل إطفاء متطوع سابق فقد أذنه اليسرى وجزءًا من فكه بسبب السرطان. كما يعاني زوجها من مشاكل في القلب والذاكرة. تقلق مارشا بشأن فترات الانتظار الطويلة لرؤية الطبيب، وفقدان العلاقات التي تراكمت على مدى عقود في فرانكونيا. “سيكون الأمر صعبًا. ولكنها علاقة سنفتقدها. إنها علاقة يمكنك التحدث فيها مع الناس وإخبارهم بشيء ثم يقولون، نعم، حسنًا، لقد أصبت بالسرطان. أوه، دعونا نرى. أوه، نعم. هذا موجود في مخططك. هل تفهم ما أعنيه؟”
مستقبل الرعاية الصحية الريفية: نحو حلول مستدامة
إن قضية مركز فرانكونيا تسلط الضوء على ضرورة إيجاد حلول مستدامة لتحديات الرعاية الصحية في المناطق الريفية. يتطلب ذلك جهودًا متضافرة من الحكومة، وشركات التأمين، ومقدمي الرعاية الصحية، والمجتمعات المحلية. تشمل هذه الحلول: زيادة التمويل الفيدرالي للمراكز الصحية المجتمعية، توسيع نطاق تغطية Medicaid، وتشجيع استخدام التكنولوجيا عن بعد (Telehealth) لتوفير الرعاية الصحية للمرضى في المناطق النائية. الرعاية الصحية الريفية ليست مجرد مسألة طبية؛ بل هي قضية تتعلق بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية، وضمان حصول جميع الأمريكيين على الرعاية التي يحتاجونها، بغض النظر عن مكان إقامتهم. كما أن تطوير برامج توفر خدمات صحية منزلية قد يساهم في تخفيف الضغط على المراكز المتبقية وتوفير رعاية مستمرة للمرضى. إن تجاهل هذه القضية سيؤدي إلى تفاقم التفاوتات الصحية، وزيادة التكاليف على المدى الطويل، وتقويض صحة ورفاهية المجتمعات الريفية في جميع أنحاء البلاد. يجب أن تكون الحلول الصحية شاملة وتراعي الاحتياجات الفريدة لكل مجتمع.

