في خطوة متوقعة، قرر الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء خفض سعر الفائدة القياسي بمقدار ربع نقطة مئوية، للمرة الثالثة منذ سبتمبر، ليصل إلى حوالي 3.6%. يأتي هذا القرار في ظل سعي البنك المركزي الأمريكي لتحقيق التوازن الدقيق بين كبح التضخم ودعم النمو الاقتصادي، خاصة مع تباطؤ وتيرة التوظيف. هذا التخفيض يمثل تحولًا ملحوظًا بعد فترة توقف استمرت تسعة أشهر، وله تداعيات واسعة على الاقتصاد الأمريكي والعالمي، وعلى المستهلكين والشركات على حد سواء.
ما هو سعر الفائدة القياسي ولماذا يخفضه الاحتياطي الفيدرالي؟
سعر الفائدة القياسي هو السعر الذي تقترض به البنوك أموالًا من بعضها البعض، وهو بمثابة الأساس لتحديد أسعار الفائدة على مختلف القروض والمنتجات المالية. يلعب الاحتياطي الفيدرالي دورًا حاسمًا في تحديد هذا السعر بهدف تحقيق هدفين رئيسيين: الحفاظ على استقرار الأسعار (السيطرة على التضخم) وتعزيز التوظيف الكامل.
عادةً، يلجأ البنك المركزي إلى رفع سعر الفائدة للحد من التضخم، حيث يجعل الاقتراض أكثر تكلفة، مما يقلل من الإنفاق والاستثمار. وعلى العكس من ذلك، يتم خفض سعر الفائدة لتحفيز النمو الاقتصادي وتشجيع الشركات والأفراد على الاقتراض والإنفاق. التحدي الحالي يكمن في أن التضخم لا يزال أعلى من الهدف المحدد وهو 2%، بينما يشهد سوق العمل تباطؤًا ملحوظًا. بالإضافة إلى ذلك، أثر الإغلاق الحكومي مؤخرًا على توفر البيانات الاقتصادية اللازمة لاتخاذ قرارات دقيقة.
تأثير خفض سعر الفائدة على حسابات التوفير والودائع
بالنسبة للمدخرين، فإن خفض سعر الفائدة يعني استمرار تآكل العوائد على حساباتهم. شهدت العديد من البنوك بالفعل تخفيضًا في أسعار الفائدة على حسابات التوفير بعد آخر قرار بالخفض في أكتوبر. وفقًا لمصادر متخصصة، قامت ثلاثة من أكبر خمسة بنوك أمريكية (Ally، وAmerican Express، وSynchrony) بتخفيض أسعار الفائدة على حسابات التوفير الخاصة بها.
ومع ذلك، لا يزال بإمكان المدخرين الحصول على عوائد جيدة نسبيًا من خلال حسابات التوفير ذات العائد المرتفع، والتي تتراوح حاليًا بين 4.35% و 4.6%. هذه الحسابات تقدم معدلات أفضل بكثير من حسابات التوفير التقليدية، والتي تبلغ حاليًا حوالي 0.61% فقط. أسعار الفائدة على الودائع ستستمر في الانخفاض بشكل تدريجي.
الرهون العقارية: هل سيستفيد المشترون من هذا الخفض؟
بالنسبة لمشتري المنازل المحتملين، قد يكون التأثير أقل وضوحًا. يشير الخبراء إلى أن السوق قد استوعب بالفعل توقعات خفض أسعار الفائدة، مما يعني أن معدلات الرهن العقاري لا تزال مستقرة نسبيًا حول أدنى مستوياتها منذ أكثر من عام.
تتأثر معدلات الرهن العقاري أيضًا بتوقعات المستثمرين في سوق السندات. عادةً ما تتبع هذه المعدلات مسار عائد سندات الخزانة لمدة 10 سنوات. يتوقع مات شولز، كبير محللي تمويل المستهلك في LendingTree، أن أسعار الفائدة على الرهن العقاري قد تنخفض إلى أقل من 6.00% في العام المقبل، مما قد يشجع المزيد من الأمريكيين على إعادة تمويل قروضهم العقارية أو شراء منازل جديدة.
بطاقات الائتمان: تأثير محدود على المدى القصير
قد يكون تأثير خفض سعر الفائدة على بطاقات الائتمان أقل سرعة. تعتبر أسعار الفائدة على بطاقات الائتمان مرتفعة تاريخيًا، حيث تبلغ حاليًا 19.80% في المتوسط، على الرغم من انخفاضها الطفيف من أعلى مستوى لها في أغسطس 2024.
ومع ذلك، فإن أي تخفيض في سعر الفائدة يعتبر خبرًا إيجابيًا للمستهلكين المثقلين بديون بطاقات الائتمان. يشير شولز إلى أن التخفيضات قد توفر مئات الدولارات للمدينين. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد انخفاض تكاليف الاقتراض في استقرار اتجاهات التأخر في السداد، وفقًا لميشيل رانيري، نائب رئيس الأبحاث الأمريكية في مكتب ترانس يونيون لإعداد التقارير الائتمانية.
قروض السيارات: لا تغييرات كبيرة متوقعة
على عكس الرهون العقارية، من غير المتوقع أن تشهد قروض السيارات انخفاضًا كبيرًا في أسعار الفائدة قريبًا. شهد الأمريكيون ارتفاعًا حادًا في أسعار الفائدة على قروض السيارات بعد سلسلة رفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي بدءًا من أوائل عام 2022.
ويتخلف المزيد من المقترضين عن سداد أقساط السيارات، مما يشير إلى الضائقة الاقتصادية. لا تزال تكاليف السيارات الجديدة والمستعملة مرتفعة، مما يزيد من صعوبة الحصول على تمويل ميسور التكلفة.
إشارة إلى الاهتمام بسوق العمل
يعتبر قرار خفض سعر الفائدة إشارة واضحة من الاحتياطي الفيدرالي إلى اهتمامه بسوق العمل. من خلال جعل الاقتراض أرخص، يأمل البنك المركزي في تشجيع الشركات على الاستثمار وتوظيف المزيد من العمال.
يشير كوري ستال، كبير الاقتصاديين في مختبر التوظيف الواقعي، إلى أن الطلب على العمال قد تباطأ في الآونة الأخيرة. من خلال خفض سعر الفائدة، يمكن للشركات أن تجد توظيف موظفين إضافيين أكثر جاذبية من الناحية المالية. هذا مهم بشكل خاص للشركات الناشئة التي تعتمد بشكل كبير على الأموال المقترضة.
باختصار، يمثل قرار الاحتياطي الفيدرالي خفض سعر الفائدة محاولة لتحقيق التوازن بين كبح التضخم ودعم النمو الاقتصادي. سيكون لهذا القرار تأثيرات متفاوتة على مختلف جوانب الاقتصاد، بدءًا من حسابات التوفير والرهون العقارية وصولًا إلى بطاقات الائتمان وقروض السيارات. من المهم للمستهلكين والشركات على حد سواء فهم هذه التداعيات واتخاذ القرارات المالية المناسبة.

