في قلب التقاليد اليابانية العريقة، يتردد صدى سؤال قديم وجديد في آن واحد: هل ستتمكن رئيسة الوزراء الجديدة، ساناي تاكايشي، من كسر حاجز دخول النساء إلى حلبة السومو المقدسة؟ هذا السؤال ليس مجرد تحدٍ رمزي، بل هو انعكاس لمعركة أكبر تدور رحاها في المجتمع الياباني حول دور المرأة ومكانتها في الثقافة والتاريخ. فبعد أن أصبحت تاكايشي أول امرأة تتولى منصب رئيس الوزراء في أكتوبر الماضي، يراقب الجميع خطواتها، متسائلين عما إذا كانت ستتحدى المحرمات التي استمرت لقرون.
حلبة السومو والمحرمات التاريخية: نظرة عامة
تعتبر رياضة السومو جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية اليابانية، وهي متجذرة في طقوس الديانة الشنتو القديمة. تاريخيًا، كانت حلبة السومو، أو دوهيو، تعتبر مكانًا مقدسًا مخصصًا للرجال فقط. هذا الحظر ليس فريدًا للسومو، بل يمتد ليشمل العديد من الأماكن الدينية والمهرجانات في اليابان، حيث كانت النساء ممنوعات من ارتيادها لعدة قرون. السبب وراء هذه المحظورات يعود إلى الاعتقاد بـ “نجاسة” الأنثى المرتبطة بالحيض والولادة، بالإضافة إلى بعض المفاهيم البوذية التي تقلل من شأن المرأة.
الجدل حول هذا الحظر يشتد مع كل مرة تُمنع فيها امرأة من دخول الدوهيو، خاصةً عندما يتعلق الأمر بتقديم كأس رئيس الوزراء في بطولة كيوشو الكبرى للسومو، وهو تقليد اتبعه رؤساء الوزراء السابقون. الآن، مع وجود رئيسة وزراء امرأة، يزداد الضغط لتغيير هذا الوضع.
جذور الحظر: الشنتو والتقاليد القديمة
يعود تاريخ السومو إلى أكثر من 1500 عام، حيث بدأت كطقوس دينية في خدمة الكامي، أو الأرواح، في الديانة الشنتو. كانت المباريات الأولى عبارة عن صلوات من أجل حصاد وفير وعروض أخرى في الأضرحة. الدوهيو نفسها ليست مجرد حلبة، بل هي تمثيل رمزي للعالم، حيث تفصل الدائرة المصنوعة من قش الأرز بين الحرم الداخلي، وهو مكان مقدس، والعالم الخارجي الذي يعتبر “نجسًا”.
يرى البعض أن حظر دخول النساء إلى الدوهيو مرتبط بشكل مباشر بمعتقد الشنتو بالنجاسة. ومع ذلك، نفت جمعية السومو اليابانية هذا الادعاء، مؤكدةً أن الحظر لا يستند إلى مبادئ دينية صارمة، بل إلى التقاليد الشعبية التي تعتبر الدوهيو ساحة قتال للرجال فقط. رئيس الجمعية، نوبويوشي هاكاكو، صرح في عام 2018 بأن القاعدة تهدف إلى الحفاظ على قدسية المكان بالنسبة للمصارعين، وليس إلى إهانة المرأة.
تحديات تاريخية ومواقف متناقضة
لم يكن منع النساء من دخول حلبة السومو موضوعًا جديدًا. ففي عام 1978، احتجت موظفة وزارة العمل، مايومي مورياما، بعد منع فتاة من التقدم إلى النهائيات في بطولة السومو للأطفال. وفي عام 1990، أعربت مورياما، بصفتها المتحدثة باسم الحكومة، عن رغبتها في تقديم الكأس في الحلبة، لكن اتحاد السومو رفض طلبها.
حتى في الحالات التي تتعلق بإنقاذ الأرواح، لم يتم التسامح مع وجود النساء في الدوهيو. ففي عام 2018، بعد انهيار عمدة مايزورو أثناء إلقاء خطاب في الحلبة، طُلب من خبيرتين طبيتين، بالإضافة إلى مسؤولي السومو الذكور، إجراء الإسعافات الأولية، بينما طُلب من النساء الأخريات مغادرة المكان، وتم رش الملح لتطهير الحلبة.
ساناي تاكايشي: بين التقاليد والتغيير
تعتبر ساناي تاكايشي شخصية محافظة تدعم القيم التقليدية للأبوة والجنس في اليابان. وهي لا تعتبر نفسها نسوية، وقد أبقت خلافة النظام الملكي مفتوحة للرجال فقط، وتعارض تغيير قانون يسمح للأزواج بالاحتفاظ بألقاب منفصلة.
في هذا السياق، قد يكون من غير المرجح أن تتحدى تاكايشي تقاليد السومو. فهي تحاول حاليًا استعادة الدعم من الناخبين اليمينيين الذين انجذبوا إلى الجماعات الشعبوية في الانتخابات الأخيرة، وقد يُنظر إلى محاولة تقديم الكأس في الحلبة على أنها تحدٍ لتقاليد السومو قد يضر بصورتها لديهم. حتى الآن، لم تعلق تاكايشي على كيفية تعاملها مع هذا الموقف، لكن كبير المتحدثين باسم حكومتها أشار إلى أنها تعتزم “احترام تقاليد ثقافة السومو”.
مستقبل الحظر: هل سيأتي التغيير؟
على الرغم من موقف تاكايشي الحالي، فإن النقاش حول حظر دخول النساء إلى حلبة السومو من المرجح أن يستمر، بل ويزداد حدة، نظرًا لوجود امرأة تقود اليابان الآن. يرى العديد من الخبراء أن استبعاد النساء في ظل التقاليد والعادات التي تركز على الذكور لم يعد مبررًا في ظل قيم العصر الحديث.
بعد حادثة عام 2018، شكلت جمعية السومو لجنة لدراسة الحظر المفروض على النساء، لكن القرار لا يزال معلقًا حتى اليوم. يبقى السؤال: هل ستكون ساناي تاكايشي هي من يفتح الباب أمام التغيير، أم ستستمر في الحفاظ على الوضع الراهن؟ الإجابة على هذا السؤال ستكون ذات أهمية كبيرة ليس فقط لعالم السومو، بل للمجتمع الياباني بأكمله، حيث يصارع من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين مع الحفاظ على هويته الثقافية الفريدة. السومو و المرأة اليابانية و ساناي تاكايشي هي الكلمات المفتاحية التي تحدد هذا النقاش المستمر.

