أعلنت منظمة اليونسكو مؤخرًا عن إضافة “كومباس” (Konpa) إلى قائمتها للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، وهو اعتراف مهم بهذا النوع الموسيقي والرقص الهايتي الذي يمثل جزءًا حيويًا من هوية البلاد. هذا الإعلان، الذي جاء في وقت عصيب تمر به هايتي، يمثل بصيص أمل وفرح لشعبها. الكومباس، هذا الإيقاع المتزامن الذي ينبعث من قلب هايتي، ليس مجرد موسيقى، بل هو تعبير عن الروح الوطنية، ووسيلة للتغلب على الصعاب، ومصدر للوحدة في وجه التحديات.
ما هو الكومباس؟ تاريخ ونشأة هذا الإيقاع الهايتي
الكومباس، المعروف أيضًا باسم “Konpa” أو “Compas” في لغة الكريولية الهايتية، نشأ في الخمسينيات من القرن الماضي. تطور هذا النوع الموسيقي من الميرينجو الهايتي التقليدي، ولكنه سرعان ما اكتسب طابعه الخاص من خلال دمج عناصر من موسيقى الجاز والرقص اللاتيني. بدأ الكومباس في الانتشار من الحانات وغرف النوم والشركات في جميع أنحاء هايتي، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية والثقافية للبلاد.
يتميز الكومباس بإيقاعه المعقد والحيوي، والذي يعتمد على مجموعة متنوعة من الآلات الإيقاعية، بما في ذلك الطبل الهايتي التقليدي المعروف باسم “Tanbou”، بالإضافة إلى الكونغاس والقيثارات الكهربائية والأبواق. تتسم ألحانه بالبهجة والتفاؤل، وغالبًا ما تتناول موضوعات الحب والحرية والسلام والمقاومة.
الكومباس كتعبير عن الهوية الهايتية في ظل التحديات
في هايتي، التي تعاني من الفقر المدقع والعنف المتزايد، يلعب الكومباس دورًا مهمًا في رفع الروح المعنوية وتوفير العزاء. إنه ليس مجرد وسيلة للترفيه، بل هو طريقة للتعبير عن الهوية الوطنية والتغلب على الصعاب. كما أشار دومينيك دوبوي، وزير الخارجية الهايتي السابق، فإن إدراج الكومباس في قائمة اليونسكو هو “قصيدة للفرح” في هذه الأوقات المظلمة.
الكومباس هو أكثر من مجرد موسيقى؛ إنه رمز للمقاومة والصمود. في ليلة 18 نوفمبر، عندما تأهلت هايتي لكأس العالم للمرة الأولى منذ عام 1974، رافقت موسيقى الكومباس حشودًا مبتهجة في شوارع بورت أو برنس، وصدحت في منازلهم، معبرة عن الفرحة والأمل. هذا المشهد يجسد قوة الكومباس في توحيد الشعب الهايتي وإلهامه.
الكومباس: إرث شفوي يتجاوز الحدود
اليونسكو لم تعترف فقط بالكومباس كموسيقى، بل أيضًا كإرث شفوي يتم تناقله عبر الأجيال. كلمات الأغاني مستمدة من الحياة اليومية، وتعكس تجارب وآمال الشعب الهايتي. هذا الجانب الشفوي من الكومباس يجعله أكثر حيوية وتفاعلية، ويسمح له بالتطور والتكيف مع التغيرات الاجتماعية والثقافية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الكومباس قد تجاوز حدود هايتي، وأصبح يتمتع بشعبية متزايدة في جميع أنحاء العالم. فنانون مثل Sony Laventure، مالك استوديو رقص الكومباس في ميامي، يعملون على نشر هذا الإيقاع الهايتي في جميع أنحاء العالم، من خلال تعليم الرقص وتقديم العروض. وقد قام لافينتور مؤخرًا بتعليم المدربين في كينيا كيفية رقص الكومباس، وسيغادر قريبًا إلى باريس لمشاركة معرفته.
مستقبل الكومباس: الحفاظ على التراث وتعزيزه
إن إدراج الكومباس في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي يمثل خطوة مهمة نحو الحفاظ على هذا الإيقاع الهايتي وتعزيزه. يجب على هايتي والمجتمع الدولي العمل معًا لضمان استمرار الكومباس في الازدهار والتأثير في الأجيال القادمة.
هذا الاعتراف يفتح الباب أمام المزيد من الفرص لتمويل مشاريع الحفاظ على الكومباس، وتنظيم فعاليات لتعزيزه، وتشجيع البحث والدراسة حول تاريخه وأهميته الثقافية. كما أنه يسلط الضوء على أهمية دعم الفنانين والموسيقيين الهايتيين، الذين هم حراس هذا التراث الثقافي الحيوي.
الكومباس ليس مجرد موسيقى، بل هو جزء لا يتجزأ من هوية هايتي ورمز لأملها وصمودها. إنه إيقاع “يجلب الفجر بحماسة”، كما وصفته اليونسكو، ويستحق أن يتم الاحتفاء به وحمايته للأجيال القادمة. إن الاستمرار في الاستماع إلى الكومباس والرقص على أنغامه هو طريقة لدعم الشعب الهايتي والتعبير عن التضامن معه في هذه الأوقات الصعبة. كما قال ستيفنز تشارلز، المحاسب الهايتي: “عندما ترقص مع امرأة، لا تحتاج حقًا إلى التحرك، يمكنك فقط الوقوف ساكنًا وضم المرأة إلى جسدك وتغمض عينيك.” هذا هو سحر الكومباس، وهذا هو السبب في أنه يستحق أن يكون جزءًا من تراث البشرية.

