في كل عام، تشهد ساحة الطرف الأغر في لندن حدثًا ينتظره الكثيرون بفارغ الصبر: إضاءة شجرة عيد الميلاد، وهي ليست مجرد زينة احتفالية، بل رمز عميق للصداقة والتاريخ المشترك بين بريطانيا والنرويج. هذا التقليد الفريد له جذور ضاربة في أعماق الحرب العالمية الثانية، ويجسد قصة امتنان وشراكة استمرت لعقود.
تاريخ شجرة عيد الميلاد في لندن: قصة صداقة في زمن الحرب
بدأ هذا التقليد المميز كبادرة شكر من الشعب النرويجي إلى الشعب البريطاني، وذلك تقديرًا للدعم الذي قدمته بريطانيا للنرويج خلال فترة الاحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية. عندما غزت ألمانيا النازية النرويج عام 1940، اضطر الملك هاكون السابع وحكومته إلى الفرار إلى لندن، حيث أسسوا حكومة في المنفى.
الدعم البريطاني للنرويج خلال الحرب
لم يقتصر الدعم البريطاني على توفير ملاذ آمن للحكومة النرويجية، بل امتد ليشمل دعم حركات المقاومة النرويجية التي نشطت من الأراضي البريطانية. بالإضافة إلى ذلك، لعبت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) دورًا حيويًا في الحفاظ على الروح المعنوية للشعب النرويجي، حيث قامت ببث برامج إخبارية باللغة النرويجية، كانت بمثابة شريان حياة في ظل الحظر النازي على وسائل الإعلام المستقلة.
هدية أوسلو: بداية التقليد
بعد انتهاء الحرب، وفي عام 1947، قررت مدينة أوسلو التعبير عن امتنانها العميق لبريطانيا من خلال تقديم شجرة عيد الميلاد سنوية إلى لندن. ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه الشجرة رمزًا للصداقة القوية بين البلدين، وتذكرنا بالتضحيات التي قدمها الشعب النرويجي والنصر الذي تحقق بفضل التحالف بينهما.
اختيار شجرة عيد الميلاد: عملية دقيقة ومدروسة
اختيار شجرة عيد الميلاد التي تزين ساحة الطرف الأغر ليس أمرًا عشوائيًا، بل هو عملية دقيقة ومدروسة تبدأ قبل سنوات من موعد الإضاءة. يتم اختيار عدة أشجار تنوب نرويجية (Picea abies) من غابة أوسلو، وتخضع لرعاية خاصة لضمان نموها بشكل صحي وقوي.
“أوسلو دائمًا” وشجرتها المنافسة
شجرة هذا العام، والتي أُطلق عليها اسم “أوسلو دائمًا”، يبلغ ارتفاعها حوالي 20 مترًا وعمرها حوالي 60 عامًا. وقد تم اختيارها بعد منافسة مع شجرتين أخريين، هما “النجمة الشمالية” و”التنوب المضيق”. تم قطع الشجرة في 21 نوفمبر، ونقلها عبر رحلة طويلة وشاقة إلى لندن.
رحلة الشجرة من أوسلو إلى لندن
بعد قطعها، تم نقل الشجرة إلى الميناء حيث تم تنظيفها من الملح، ثم سافرت لمدة 26 ساعة على متن سفينة، مخزنة أسفل سطح السفينة لحمايتها من المياه المالحة. وصلت إلى إيمنجهام، ثم أكملت الرحلة بالشاحنة إلى ساحة الطرف الأغر في لندن. وفي المقابل، سيتم زراعة شجرة بديلة في الغابة خارج أوسلو، للحفاظ على استدامة هذه الموارد الطبيعية.
حفل الإضاءة: بداية احتفالات عيد الميلاد في لندن
يعتبر حفل إضاءة شجرة عيد الميلاد في ساحة الطرف الأغر بمثابة إشارة لبدء احتفالات عيد الميلاد في لندن. يقام هذا الحفل التقليدي في أول يوم خميس من شهر ديسمبر، ويحضره حشد كبير من الناس. تتميز الشجرة بتعليق سلاسل من الأضواء بشكل عمودي، وفقًا للتقاليد النرويجية.
رمزية الشجرة وأهميتها الثقافية
تظل الشجرة معروضة في الساحة حتى الخامس من يناير، المعروف أيضًا بالليلة الثانية عشرة لعيد الميلاد. بعد ذلك، يتم إنزالها لتقطيعها وتحويلها إلى سماد، مما يمثل دورة الحياة والاستدامة. يعتبر هذا الحدث فرصة للتأمل في تاريخ الصداقة بين بريطانيا والنرويج، والاحتفال بروح العيد. كما أن زينة عيد الميلاد بشكل عام تضفي أجواءً من البهجة والسعادة على المدينة.
في الختام، شجرة عيد الميلاد في ساحة الطرف الأغر ليست مجرد زينة موسمية، بل هي رمز قوي للصداقة والتاريخ المشترك بين بريطانيا والنرويج. إنها تذكير دائم بالدعم المتبادل والتضحيات التي قدمها الشعبان خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وتجسيد لروح العيد والاحتفال. ندعوكم لمتابعة أخبار فعاليات عيد الميلاد في لندن والاستمتاع بأجواء هذا الموسم المميز.

