في مشهد يجمع بين القداسة والواقع المرير، أثارت كنائس في الولايات المتحدة جدلاً واسعاً حول تمثيليات ميلاد المسيح، حيث تم تحويل هذه اللوحات التقليدية إلى تعليقات قوية على سياسات الهجرة الأمريكية. هذه التحولات الفنية، التي تهدف إلى تسليط الضوء على معاناة اللاجئين والمهاجرين، أثارت ردود فعل متباينة بين الثناء والانتقاد، بل ووصل الأمر إلى تهديد فقدان الإعفاء الضريبي. محور هذا الجدل يدور حول ترحيل المهاجرين وتأثيره على العائلات والمجتمعات.

ميلاد في ظل سياسات الهجرة: كنائس أمريكية تثير الجدل

لم تعد مشاهد ميلاد المسيح في بعض الكنائس الأمريكية مجرد استعراض تقليدي للقصة المقدسة، بل أصبحت منصة للتعبير عن مواقف سياسية واجتماعية. في إيفانستون، إلينوي، يظهر الطفل يسوع في مذود مصنوع من الثلج، ملفوفًا ببطانية طوارئ فضية، ومعصميه مربوطين بسحاب. تقف مريم بجانبه مرتدية قناع غاز، وتحيط بها شخصيات تمثل جنودًا رومانيين بملابس تكتيكية تحمل شعار “ICE” (مكتب التحقيقات الجنائية والترحيل). هذا المشهد الصارخ يهدف إلى تصوير العائلة المقدسة كلاجئين يعيشون الخوف من التفرقة والـترحيل المهاجرين.

في كنيسة أخرى في ضواحي شيكاغو، تم استبدال الطفل يسوع بعلامة مرسومة باليد تقول: “كان ICE هنا”، في إشارة مباشرة إلى عمليات الاعتقال التي تجريها السلطات في المنطقة. أما في ديدهام، ماساتشوستس، فقد اختفى الطفل المسيح تمامًا من مغارة الميلاد، ليترك مكانًا فارغًا يذكر بضحايا سياسات الهجرة.

ردود الفعل المتباينة: بين التأييد والاتهام بالتدنيس

هذه التعديلات على تمثيليات ميلاد المسيح لم تمر مرور الكرام. فقد أشاد بها مؤيدوها باعتبارها تعبيرًا صادقًا عن القيم المسيحية التي تدعو إلى الرحمة والعدالة الاجتماعية، مؤكدين أن الكتاب المقدس يدعم قضيتهم. ويرون أن هذه المشاهد تذكرنا بأن يسوع نفسه كان لاجئًا، وأن استقبال الغرباء هو واجب ديني وأخلاقي.

في المقابل، انتقد خصوم هذه العروض بشدة، واصفين إياها بالتدنيس والاستغلال السياسي. ويتهمون الكنائس بإساءة استخدام الرموز الدينية المقدسة لخدمة أجندات سياسية، ويطالبون بمحاسبتها، بل وتهديدها بفقدان الإعفاء الضريبي الذي تتمتع به. رئيس أساقفة بوسطن، ريتشارد هينينج، أمر بإزالة العرض في ديدهام، معتبرًا أنه يتعارض مع الغرض المقدس من مغارة الميلاد.

خلفية الأحداث: تصاعد إنفاذ قوانين الهجرة

تأتي هذه الجدالات في سياق تصاعد إنفاذ قوانين الهجرة في الولايات والمدن التي تعترض على سياسات إدارة ترامب. ففي شهري سبتمبر وأكتوبر وحدهما، تم اعتقال أكثر من 2000 شخص في ولايتي إلينوي وماساتشوستس، وفقًا لإحصائيات رسمية. هذه الاعتقالات أثارت موجة من الخوف والقلق في المجتمعات المحلية، خاصة بين العائلات التي لديها أفراد مهاجرون.

القس مايكل وولف، من كنيسة ليك ستريت، يرى أن عيد الميلاد هو الوقت المناسب لعرض هذه الأعمال الفنية التي تثير الحوار والنقاش حول قضايا مهمة مثل قضايا اللاجئين. ويذكر أن الكنيسة كانت قد عرضت في العام الماضي مشهدًا آخر يصور يسوع تحت الأنقاض، كـ”نداء من أجل السلام” في غزة.

الكنائس تتخذ مواقف جريئة: دعم اللاجئين والتعبير عن الاحتجاج

لم تكتفِ الكنائس المعنية بتقديم هذه العروض المثيرة للجدل، بل اتخذت خطوات عملية لدعم اللاجئين والمهاجرين في مجتمعاتها. ففي ديدهام، قامت أبرشية سانت سوزانا في عام 2018 بحبس الطفل يسوع في قفص للاحتجاج على فصل العائلات على الحدود. وفي عام آخر، صوروا الرضيع وهو يطفو في الماء الملوث بالبلاستيك لتسليط الضوء على أزمة تغير المناخ.

عضو مجلس أبرشية سانت سوزانا، فيل ماندفيل، يؤكد أن هذه الجهود ليست مجرد “حيلة” بل هي تعبير عن التزام حقيقي بدعم اللاجئين. ويشير إلى أن اللجنة التي يعمل بها قد ساعدت حوالي عشر عائلات لاجئة منذ عام 2019 في العثور على السكن والتعليم والعمل.

دعوة إلى التفكير: هل يمكن للروحانية أن تتجاوز السياسة؟

الجدل الدائر حول هذه التمثيليات يطرح سؤالاً أعمق: هل يمكن للكنيسة أن تظل مكانًا للعبادة والروحانية، أم يجب عليها أن تتخذ مواقف سياسية واضحة في القضايا التي تؤثر على مجتمعاتها؟ يرى البعض أن الكنيسة يجب أن تلتزم بدورها الروحي، وأن تترك السياسة للسياسيين. بينما يرى آخرون أن الكنيسة لا يمكنها أن تتجاهل الظلم والمعاناة في العالم، وأن عليها أن ترفع صوتها دفاعًا عن حقوق الإنسان.

في النهاية، تظل هذه العروض بمثابة دعوة للتفكير في معنى الميلاد، وفي رسالة يسوع التي تدعو إلى المحبة والرحمة والتسامح. كما أنها تذكرنا بأهمية التضامن مع اللاجئين والمهاجرين، والعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وإنسانية. هذه القصة تبرز أهمية فهم الوضع القانوني للمهاجرين وتأثيره على حياتهم.

شاركها.
Exit mobile version