في مشهد سينمائي يعج بالابتكار والإبداع، تتربع جوائز الروح المستقلة (Film Independent Spirit Awards) كمنارة تحتفي بالأصوات الجديدة والقصص الفريدة. هذا العام، يبرز فيلم “يوم بيتر هوجار” (Peter Hujar Day) كمرشح قوي، حاصداً خمسة ترشيحات، ليضع بصمته كأحد أبرز الأعمال السينمائية المستقلة لعام 2024. لا تقتصر هذه الجوائز على الأفلام الروائية الطويلة بل تشمل أيضاً المسلسلات الوثائقية والبرامج التلفزيونية، الأمر الذي يعكس التزامها بدعم صناعة السينما المتنوعة.
ترشيحات “يوم بيتر هوجار” وصعود السينما المستقلة
“يوم بيتر هوجار” للمخرج إيرا ساكس ليس فقط مرشحاً قوياً، بل هو رمز لعودة الاهتمام بالسينما الوثائقية التي تستكشف حياة وفن المصورين. الفيلم، الذي يمثل إعادة صياغة لمقابلة مع مصور السبعينيات بيتر هوجار، نال إعجاب النقاد والجمهور على حد سواء. إلي جانب ترشيحاته لأفضل فيلم طويل وأفضل مخرج، تميز الفيلم بترشيحي الممثلين بن ويشو وريبيكا هول عن أدائهم المذهل.
هذه الترشيحات تأتي في وقت تشهد فيه السينما المستقلة نمواً ملحوظاً، حيث يعتمد العديد من صانعي الأفلام على هذه الجوائز كمنصة لإطلاق أعمالهم واكتساب التقدير. بالإضافة إلى “يوم بيتر هوجار”، ظهرت أفلام أخرى بقوة في قائمة الترشيحات، مما يؤكد على التنافس الشديد في هذا المجال.
أفلام بارزة أخرى تتنافس على الجوائز
لم يكن “يوم بيتر هوجار” الوحيد الذي حظي بترشيحات متعددة. فقد نافسه بقوة فيلم “قطار الأحلام” (Train Dreams) للمخرج كلينت بنتلي، وهو اقتباس موسيقي مؤثر لرواية دينيس جونسون. كما حصل فيلم “آسف يا عزيزي” (Sorry, My Dear) لإيفا فيكتور على أربع ترشيحات، حيث يقدم نظرة مؤثرة على الحياة بعد الاعتداء.
ومن بين الأفلام الأخرى التي حصلت على أربع إيماءات نجد “قصر الشمس الزرقاء” (Blue Sun Palace) و”يوم واحد منهم” (One of Them Days) و “المتربص” (Lurker). كما تم ترشيح الكوميديا السوداء “Twinless” للمخرج جيمس سويني، بالإضافة إلى فيلم “The Plague” الذي يشارك فيه نجم “قطار الأحلام”، جويل إدجيرتون، لأفضل فيلم.
المنافسة في فئات التمثيل
شهدت فئات التمثيل منافسة شرسة على المراكز الأولى. فقد تم ترشيح جويل إدجيرتون عن دوره في فيلم “Train Dreams” لجائزة أفضل ممثل، إلى جانب أسماء لامعة مثل روز بيرن (عن فيلم “لو كان لدي ساقان لركلتك”)، وديلان أوبراين (“Twinless”)، وكيكي بالمر (“One of Them Days”)، وتيسا طومسون (“Hedda”)، و بن ويشو (الذي يشارك بفيلمين في الترشيحات: “يوم بيتر هوجار” و”Black Doves”).
أما قائمة المرشحين للأداء الداعم فاحتضنت أيضاً نخبة من الممثلين الموهوبين، مثل ناعومي آكي (“آسف، حبيبي”)، وزوي دويتش (“غموض جديد”)، وكيرستن دونست (“Roofman”)، ونينا هوس (“Hedda”)، وجين ليفي (“صلاة صغيرة”)، وآرتشي ماديكوي (“Lurker”)، وكالي ريس (“إعادة البناء”)، وجاكوب تريمبلاي (“السيادي”)، وهايبنج شو (“قصر الشمس الزرقاء”).
تكريم خاص وفئات متميزة في جوائز الروح المستقلة
لا تقتصر جوائز الروح المستقلة على الأفلام الروائية الطويلة وفئات التمثيل التقليدية. فجائزة روبرت ألتمان، التي تُكرم أفضل إخراج وفريق عمل وتمثيل مجتمعين في فيلم واحد، ذهبت إلى فيلم “The Long Walk”، وهو اقتباس مثير من رواية ستيفن كينج، ويضم في بطولته مارك هاميل وكوبر هوفمان وديفيد جونسون.
وبالنظر إلى المشهد السينمائي العالمي، فإن الجوائز تحتفي أيضاً بالأعمال السينمائية الدولية، حيث تنافس أفلام مثل “الصراط” و”العميل السري” و”أن تصبح دجاج غينيا” على الجوائز. كما حظيت الأفلام الوثائقية بتقدير كبير، مع ترشيحات لأعمال مثل “تعالوا لرؤيتي في النور الجيد” و”أصدقائي غير المرغوب فيهم: الجزء الأول – الهواء الأخير في موسكو”.
التوسع في فئات المسلسلات التلفزيونية
إدراكاً لأهمية المحتوى التلفزيوني في المشهد الإعلامي الحالي، وسعت جوائز الروح المستقلة لتشمل أيضاً فئات خاصة بالمسلسلات. وقد تصدرت “المراهقة” و”إلى الأبد” و”السيد لوفرمان” قائمة الترشيحات بأربعة ترشيحات لكل منها، مما يعكس التزام الجوائز بدعم المبدعين في جميع المجالات.
المنظمة أكدت أن المرشحين يأتون من 18 دولة مختلفة، وأن النساء يمثلن 41% من إجمالي المرشحين. هذا التنوع يعكس التزام الجوائز بتقديم منصة للأصوات المختلفة وتعزيز الثقافة السينمائية الشاملة.
تغييرات في الموقع وتوقعات الموسم
من الجدير بالذكر أن النسخة الحادية والأربعين من جوائز الروح المستقلة ستغادر موقعها التقليدي بالقرب من رصيف سانتا مونيكا، وستنتقل إلى هوليوود بالاديوم. هذا التغيير يأتي تزامناً مع تحول الجوائز إلى حدث لجمع التبرعات لدعم برامج السينما المستقلة على مدار العام.
من المتوقع أن يثير هذا الحدث نقاشاً واسعاً حول مستقبل السينما المستقلة وتأثيرها على صناعة الترفيه. في كثير من الأحيان، تتلاقى نتائج هذه الجوائز مع نتائج جوائز الأوسكار، لكن هذا لا يقلل من أهميتها كمنصة لاكتشاف المواهب الجديدة ودعم القصص المبتكرة. مع الأخذ في الاعتبار أن الجوائز تقتصر على الأفلام ذات الميزانيات التي تقل عن 30 مليون دولار، فإن التنافس يظل محتدماً بين الأعمال التي تعتمد على الإبداع والابتكار بدلاً من الإنفاق الضخم.
الاحتفال بهذه الجوائز هو احتفاء بالسينما في أنقى صورها، السينما التي تلامس القلوب وتثير العقول وتدفع حدود الإبداع.


