في طوكيو، تظهر ظاهرة فريدة من نوعها تلبي حاجة متزايدة للرفقة والدعم الاجتماعي: تأجير العائلات. هذه الخدمة، التي أصبحت تحظى بشعبية في اليابان، تقدم بديلاً مؤقتًا للعلاقات الأسرية التقليدية، وتلقي الضوء على التحديات الاجتماعية والعاطفية التي يواجهها الكثيرون في المجتمع الياباني الحديث.

ظاهرة “تأجير العائلات” في اليابان: استجابة للوحدة والضغوط الاجتماعية

تأسست شركة Heart Project قبل حوالي عقدين من الزمن على يد ريوتشي إيشينوكاوا، وهي تعتبر رائدة في هذا المجال. يقدم إيشينوكاوا، الذي يصف عمله بأنه “خدمة حضور بديلة كاملة”، خدمات تتراوح بين توفير مرافقين لحضور المناسبات الاجتماعية إلى لعب دور أفراد العائلة في المواقف الشخصية الحساسة. لقد قام بتعيين العشرات من الأشخاص لتمثيل أدوار مختلفة، بدءًا من الأصدقاء ووصولاً إلى أفراد الأسرة، بهدف ملء الفراغات العاطفية والاجتماعية في حياة عملائه.

هذه الظاهرة ليست مجرد قصة فردية، بل هي انعكاس لواقع اجتماعي أوسع. الفيلم الجديد “Rental Family” (العائلة المستأجرة) من بطولة بريندان فريزر، يسلط الضوء على هذه الصناعة المتنامية، مما أثار اهتمامًا عالميًا بها. الفيلم يركز على قصة ممثل أمريكي يتم تجنيده للعب دور “رجل أبيض رمزي” في طوكيو، ويستكشف التحديات العاطفية والأخلاقية التي تنشأ عن هذه الأدوار.

دوافع اللجوء إلى خدمات تأجير العائلات

قد يبدو مفهوم دفع المال لشخص ما لتمثيل دور فرد من العائلة غريبًا للغرباء، لكن بالنسبة للكثيرين في اليابان، هذه الخدمات توفر راحة نفسية وعاطفية كبيرة. العديد من العملاء لديهم وضع اجتماعي معين يسعون للحفاظ عليه، مثل المضيفات اللواتي يرغبن في إقناع أصحاب العمل بوجود حياة اجتماعية نشطة. كما أن هناك أمهات عازبات يبحثن عن رفيق ودود لحضور المناسبات المدرسية لأطفالهن.

بالإضافة إلى ذلك، تعاني اليابان من ارتفاع معدلات الوحدة والانتحار، ووصمة العار المحيطة بالأمراض العقلية. وفقًا لميوا ياسوي، الأستاذة في جامعة شيكاغو، فإن البلاد بدأت في دراسة تأثير الكوارث، مثل زلزال وتسونامي عام 2011، على الصحة العقلية. اليوم، هناك المزيد من مقدمي خدمات الصحة العقلية وفهم متزايد للحاجة إلى الاستشارة.

“هيكيكوموري” والضغط الاجتماعي: عوامل تساهم في الطلب على هذه الخدمات

تساهم الطبيعة الجماعية للثقافة اليابانية في إخفاء تحديات الصحة العقلية. يتم تعليم الأطفال مبدأ “مينا نو تامي ني” أو “من أجل الجميع”، مما يخلق ضغطًا على البالغين للحفاظ على الانسجام وتلبية احتياجات الآخرين. هذا الضغط، بالإضافة إلى الخوف من “فقدان الوجه”، يمكن أن يؤدي إلى “هيكيكوموري”، وهي حالة من الانعزال الاجتماعي المطول.

ترى تشيكاكو أوزاوا دي سيلفا، مؤلفة كتاب “تشريح الوحدة”، أن اليابانيين المنعزلين جسديًا يميلون إلى الشعور بالوحدة داخليًا. وتقول: “عندما يشعر الناس أنهم غير محبوبين، وغير مقبولين، وأنهم غير مسموعين، فإن الشعور بـ “لا يهم” هو شكل من أشكال الوحدة”. في هذا السياق، يمكن اعتبار تأجير العائلات بمثابة “ضمادة إسعافية” لمشكلة أعمق، حيث يوفر شعورًا مؤقتًا بالانتماء والرفقة.

مهنية “الممثلين” والتحديات التي تواجههم

ريوتشي إيشينوكاوا، مؤسس Heart Project، يشدد على أهمية الاحترافية في عمله. يقول: “أنا في خدمة الناس. وآمل أن يكونوا سعداء”. يحرص إيشينوكاوا على تدريب “الممثلين” لديه على تجنب الأخطاء في المعلومات الشخصية والاستعداد للحديث عن ذكريات طفولة وهمية. كما أنه يطلب منهم كتابة الأسماء على أيديهم والتحقق من الملاحظات مسبقًا.

الدفع مقابل هذه الخدمات يختلف حسب الدور المطلوب. يمكن للأدوار السهلة أن تجني حوالي 63 دولارًا أمريكيًا لبضع ساعات، بينما يمكن للأدوار الأكثر تفصيلاً أن تدفع ما بين 130 و 190 دولارًا أمريكيًا للشخص الواحد. إيشينوكاوا يلتزم بقاعدة عدم تكرار نفس الدور أكثر من مرة، معتقدًا أن ذلك يزيد من خطر الفشل.

مستقبل خدمات تأجير العائلات في اليابان

على الرغم من التطورات التكنولوجية، مثل الذكاء الاصطناعي، تعتقد ميتسويو ميازاكي (هيكاري)، مخرجة فيلم “Rental Family”، أن الحاجة إلى الرفقة الإنسانية ستظل قائمة. وتقول: “لا أعتقد أنهم سيختفون، بصراحة، ربما يتوسعون”.

في النهاية، تسلط ظاهرة تأجير العائلات الضوء على الحاجة الإنسانية الأساسية للتواصل والانتماء. في حين أن هذه الخدمات قد لا تكون حلاً دائمًا لمشاكل الوحدة والعزلة، إلا أنها توفر بديلاً مؤقتًا يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على حياة الكثيرين في اليابان. الفيلم “Rental Family” يذكرنا بأن حاجة الإنسان للتواصل ليست شيئًا يمكن قمعه، وأن الدعم العاطفي يمكن أن يأتي من مصادر غير متوقعة.

شاركها.
Exit mobile version