في عالمنا السريع الخطى، قد يبدو إيجاد الوقت للقراءة رفاهية لا يمكن تحملها. الكثير منا يجد نفسه غارقًا في العمل، والمسؤوليات العائلية، والتدفق المستمر للمعلومات الرقمية. لكن هل تعلم أن التخلي عن القراءة يمكن أن يؤثر سلبًا على صحتك العقلية والعاطفية؟ تشير الإحصائيات إلى انخفاض ملحوظ في عدد الأشخاص الذين يقرؤون للمتعة، ولكن الخبر السار هو أنه لم يفت الأوان أبدًا لاستعادة هذه العادة المفيدة. فـ القراءة ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هي استثمار في الذات، وقادرة على تقليل التوتر، وزيادة الإبداع، وتعزيز التعاطف.

تراجع عادة القراءة: نظرة على الأرقام

أظهر تحليل حديث لبيانات الحكومة الأمريكية تراجعًا مقلقًا في معدلات القراءة. فقد انخفضت نسبة الأمريكيين الذين يقرؤون من أجل المتعة في يوم عادي إلى 16% في عام 2023، مقارنة بـ 28% في عام 2004. هذا الانخفاض لا يشمل فقط الكتب التقليدية، بل يمتد ليشمل الكتب الصوتية، والكتب الإلكترونية، وحتى الدوريات مثل المجلات.

ما هي الأسباب وراء هذا التراجع؟ يرى البعض أن سنوات القراءة الإجبارية في المدرسة قد أدت إلى شعور بالملل أو النفور من الكتب. بينما يفتقر آخرون إلى الوقت الكافي، ويفضلون قضاء أوقات فراغهم في التمرير اللانهائي على وسائل التواصل الاجتماعي. للأسف، الكثيرون ببساطة فقدوا هذه العادة مع مرور الوقت.

العودة إلى عالم الكتب: كيف تبدأ؟

إذا كنت تتطلع إلى إعادة إحياء شغفك بالقراءة في عام 2024، أو ربما البدء من جديد، فإليك بعض النصائح العملية التي ستساعدك على ذلك:

اختر الكتاب المناسب

الخطوة الأولى والأكثر أهمية هي اختيار كتاب يثير اهتمامك حقًا. تجنب الكتب المعقدة أو الضخمة ذات الـ 500 صفحة في البداية. كما تقول جوسلين لويزي، مهندسة البرمجيات وعاشقة الكتب: “يجب أن يكون كتابك الأول شيئًا تعتقد أنه سيكون بهيجًا”. ابدأ بشيء خفيف وممتع، سواء كانت رواية بوليسية مشوقة، أو قصة رومانسية مؤثرة، أو كتابًا عن موضوع تهتم به.

ابحث عن توصيات متنوعة

تذكر أن الأذواق تختلف من شخص لآخر. لذلك، لا تتردد في طلب التوصيات من مصادر متنوعة، مثل الأصدقاء، وبائعي الكتب، والمجتمعات عبر الإنترنت مثل BookTok. اسأل أمناء المكتبات عن اقتراحاتهم، فهم خبراء في هذا المجال. يمكنك أيضًا الاستفادة من خدمات مثل NoveList، التي توفرها العديد من المكتبات، والتي تقترح “قراءات مشابهة” بناءً على الكتب والمؤلفين الذين تستمتع بهم. القراءة تصبح أسهل عندما تجد ما يناسبك.

دمج القراءة في روتينك اليومي

خصص وقتًا للقراءة

لكي تصبح القراءة عادة ثابتة، من الضروري تخصيص وقت محدد لها في جدولك اليومي. كما تشير غلوريا مارك، خبيرة مدى الانتباه، “ابدأ بتحديد موعد للقراءة في يومك”. حتى بضع دقائق فقط في اليوم يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا. اقرأ خمس صفحات أثناء استراحة الغداء، أو قبل النوم مباشرة.

قلل من المشتتات

عندما تقرأ كتابًا ورقيًا، حاول تجنب المشتتات عن طريق إبعاد الهواتف والأجهزة اللوحية. اختر مكانًا هادئًا ومريحًا حيث يمكنك التركيز والاستمتاع بالقراءة. ولكن، لا تتردد في تجربة تنسيقات أخرى مثل الكتب الإلكترونية والكتب الصوتية، فهي أكثر ملاءمة لبعض الأشخاص.

استكشف خيارات القراءة المتنوعة

الكتب الإلكترونية محمولة وخفيفة الوزن، مما يجعلها مثالية للقراءة أثناء التنقل. الكتب الصوتية هي خيار رائع إذا كنت تفضل الاستماع إلى القصص أثناء القيام بمهام أخرى، مثل الطهي أو التنظيف أو ممارسة الرياضة. يمكنك الوصول إلى كليهما مجانًا من خلال تطبيقات مثل Libby، والتي تتيح لك استعارة الكتب الرقمية من مكتبتك المحلية.

اجعل القراءة نشاطًا اجتماعيًا

لا تخف من جعل القراءة نشاطًا اجتماعيًا. انضم إلى نوادي الكتب الصامتة، حيث يمكنك القراءة جنبًا إلى جنب مع الآخرين في المقاهي أو المكتبات. شارك الكتب التي تستمتع بها مع أصدقائك وعائلتك، وناقشها معهم. القراءة الجماعية يمكن أن تكون تجربة ممتعة ومحفزة.

لا تتردد في التخلي عن كتاب غير مناسب

إذا وجدت أن الكتاب الذي اخترته يبدو بطيئًا أو مملًا، فلا تتردد في تركه والبدء في كتاب آخر. القراءة يجب أن تكون ممتعة، وليست عبئًا. كما تقول جيس بون، الباحثة في جامعة كوليدج لندن: “القراءة لا ينبغي أن تبدو وكأنها عبئ”. لا تشعر بالذنب حيال التخلي عن كتاب لا يناسبك.

في النهاية، تذكر أن الهدف من القراءة هو الاستمتاع واكتساب المعرفة. سواء كنت تقرأ رواية خيالية، أو كتابًا تاريخيًا، أو مقالًا علميًا، فإنك تستثمر في نفسك وتوسع آفاقك. استعد لاكتشاف متعة القراءة من جديد، ودعها تصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتك اليومية. ابدأ اليوم، وستندهش من الفوائد التي ستجنيها.

شاركها.
Exit mobile version