في خضم التوتر السياسي المتزايد في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ظهرت قصة تكشف عن ضغوط غير مسبوقة على وسائل الإعلام، وتحديدًا محطة الراديو KCBS في منطقة خليج سان فرانسيسكو. لم يكن الأمر مجرد خلاف حول تغطية إخبارية، بل كان تجليًا لحرب شاملة ضد ما تعتبره الإدارة “أعداء الإعلام”، وهو ما سلط الضوء على المخاطر التي تواجه حرية الصحافة في ظل أجواء مشحونة. تعود تفاصيل القصة إلى أيام قليلة بعد تولّي ترامب منصبه، عندما أعلنت KCBS عن رصد سيارات غير مُعلّمة يُعتقد أنها تابعة لوكالات الهجرة، مما أشعل غضب المحافظين واتهمات بإعراض حياة العملاء للخطر. هذه الحادثة كانت بمثابة الشرارة التي كشفت عن سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها الإدارة للسيطرة على السرد الإعلامي.
استهداف قناة KCBS: بداية لمعركة أوسع ضد الإعلام
بعد ستة أيام فقط من دخول ترامب البيت الأبيض، أذاعت محطة KCBS-AM نبأً عن وجود مركبات يُعتقد أنها تابعة لمسؤولي الهجرة في المنطقة. ووصف التقرير هذه المركبات بأنها “لا تحمل أية علامات، بما في ذلك سيارة دودج دورانجو سوداء، ونيسان ماكسيما رمادية وشاحنة نيسان بيضاء”. لم يمض وقت طويل حتى أثار هذا الخبر رد فعل عنيفًا من الشخصيات المحافظة، التي اتهمت المحطة بتهديد حياة هؤلاء العملاء من خلال الكشف عن تحركاتهم. موجة الغضب انتقلت إلى المستمعين، الذين أغرقوا المحطة بشكاوى واتصالات.
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. بريندان كار، المسؤول الأعلى عن البث في إدارة ترامب، لم يكتفِ بالانتقادات الشفهية، بل اتهم KCBS بـ “الفشل في العمل من أجل الصالح العام” وأعلن عن فتح تحقيق رسمي. هذا التحقيق، كما تبين لاحقًا، كان جزءًا من خطة أوسع لتوسيع نطاق الهجوم على وسائل الإعلام التي يُنظر إليها على أنها معارضة للرئيس ترامب، متجاوزةً بذلك استهداف المحطات الكبرى مثل ABC و CBS و NPR.
إجراءات تلطيف: هل تراجعت قناة KCBS تحت الضغط؟
وفقًا لثمانية موظفين حاليين وسابقين في المحطة، اختارت KCBS طريق التهدئة، واتخذت خطوات لتجنب جذب المزيد من الاهتمام السلبي من المحافظين المتطرفين، وعلى رأسهم بريندان كار. وقد شملت هذه الإجراءات تغييراً ملحوظاً في الأولويات التحريرية.
تحدث الموظفون عن تخفيض رتبة مذيعة بارزة ومحبوبة، وإعادة النظر في البرامج السياسية. خلال عدة أشهر، تم توجيه المراسلين نحو تغطية القصص الإنسانية والابتعاد عن الموضوعات السياسية أو المثيرة للجدل. وحتى عندما سُمح للصحفيين بتناول السياسة أو سياسات إدارة ترامب، خضعت نبرة التقارير لتدقيق ورقابة صارمة. هذه الإجراءات أثارت تساؤلات حول مدى استقلالية المؤسسة الإخبارية وقدرتها على أداء دورها الحيوي في الرقابة على السلطة.
“التأثير المخيف”: تهميش الأصوات المعارضة
دوغ سوفيرن، الصحفي السياسي المخضرم في KCBS، وصف بما حدث بأنه “تأثير مخيف”، مؤكدًا أن التغطية السياسية للمحطة قد تم “خصيها”. وأشار سوفيرن، الذي تقاعد في أبريل، إلى أن اعتزاله لم يكن مرتبطًا بالجدل الدائر، لكنه يعكس حالة الإحباط التي وصلت إليها المؤسسة الإخبارية.
التحقيق الذي أطلقته لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC) أدى إلى استدعاء الموظفين المشاركين في قصة الهجرة للاجتماع مع محامين من شركة Audacy، المالكة للمحطة. هؤلاء المحامون قاموا بفحص منشورات الموظفين على وسائل التواصل الاجتماعي، واستجوبوا بعضهم حول انتمائهم السياسي المحتمل. جنيفر سيليج، مديرة الأخبار في المحطة، أكدت أن الاعتبارات التجارية تقتضي تجنب إثارة غضب لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC).
استهداف وسائل الإعلام: تكتيكات “العصابة”
لا يقتصر استهداف KCBS على حالة فردية. فقد تبنى بريندان كار أساليب تعتبرها بعض الأوساط “تكتيكات عصابة”، حيث استغل منصبه في لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC) لمعاقبة وسائل الإعلام التي تنتقد ترامب. وقد هدّد ABC في سبتمبر بأنه “يمكننا القيام بذلك بالطريقة السهلة أو بالطريقة الصعبة”، مما أدى إلى إيقاف المذيع الكوميدي جيمي كيميل عن البث لفترة وجيزة.
كما أن ABC و CBS قامتا بتسوية قضايا تشهير رفعتها إدارة ترامب، في الوقت الذي كانت فيه للشركات الأم مصالح كبيرة أمام لجنة الاتصالات الفيدرالية. في الوقت نفسه، تعرضت NPR و PBS لتدقيق حول ما إذا كانت قد تجاوزت الحدود في ما يتعلق بالإعلانات التجارية. وشدد آل سايكس، الرئيس الجمهوري السابق للجنة الاتصالات الفيدرالية، على أن هذه الإجراءات تمثل “حدودًا جديدة لممارسة السلطة”، وأنها تهدف إلى “معاقبة من لا تحبهم وإخفاء من تحبهم”.
ما بعد العاصفة: هل تعود قناة KCBS إلى سابق عهدها؟
في الأشهر الأخيرة، يبدو أن الضغط على KCBS قد خف، وأصبحت المحطة أكثر استعدادًا لمعالجة الموضوعات التي قد تثير حفيظة الإدارة والنقاد المحافظين. على سبيل المثال، عينت KCBS مراسلًا لتغطية احتجاجات يوم الملوك ضد إدارة ترامب في أكتوبر، وهو ما يعتبره الموظفون تغييرًا إيجابيًا.
وقد أصدرت قناة KCBS بيانًا تنفي فيه وجود أي تغيير في سياستها التحريرية، مؤكدة التزامها بتقديم “أخبار موثوقة ومتوازنة وموضوعية” لمستمعيها. لكن، وبينما تظل هذه التصريحات قائمة، فإن تجربة KCBS مع إدارة ترامب تُعد بمثابة تذكير قوي بأهمية حماية حرية الصحافة، ومواجهة أي محاولة لتقويض استقلاليتها. تعتبر قضية KCBS رمزًا للتحديات التي تواجه وسائل الإعلام في عصر الاستقطاب السياسي، وتشير إلى الحاجة الماسة إلى تعزيز القيم الديمقراطية التي تقوم عليها مجتمعاتنا. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري مراقبة دور لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC) وضمان حيادها واستقلاليتها في تنظيم قطاع البث.
(تم تضمين عناصر SEO المطلوبة: الكلمة المفتاحية “قناة KCBS” تظهر في المواقع المحددة، مع استخدام الكلمات المفتاحية الثانوية “لجنة الاتصالات الفيدرالية” و”دونالد ترامب” بشكل طبيعي. تم استخدام فقرات قصيرة وانتقالات سلسة مع تجنب التكرار المفرط.)

