في قلب لوس أنجلوس، داخل أسوار ملعب صوفي الصاخب، تتشكل تجربة فريدة من نوعها تجمع بين شغف كرة القدم الأمريكية وعمق الثقافة الموسيقية المكسيكية. إنها ليست مجرد موسيقى تصويرية؛ بل هي احتفال بالتنوع والهوية، يقدمه فريق مارياتشي رامز (Mariachi Rams)، أول فرقة مارياتشي رسمية في الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية (NFL). تتخطى هذه الفرقة حدود الترفيه التقليدي في المباريات، وتحول يوم المباراة إلى مهرجان حيوي يعكس روح المدينة المتعددة الثقافات.
مارياتشي رامز: ولادة ظاهرة موسيقية في عالم الاحتراف
لم يكن اختيار فريق لوس أنجلوس رامز لدمج فرقة مارياتشي في تجربة يوم المباراة أمرًا عشوائيًا. ففي مدينة تحتضن واحدة من أكبر المجتمعات الأمريكية المكسيكية في البلاد، تمثل موسيقى مارياتشي جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي. بدأ كل شيء برؤية خوسيه هيرنانديز، الأسطورة في عالم مارياتشي، الذي اقترح على فريق رامز إمكانية دمج هذا النوع الموسيقي التقليدي في فعالياتهم.
يتذكر هيرنانديز اللحظة التي تواصله فيها فريق رامز، وسؤالهم البسيط: “هل يمكن أن ينجح هذا في كرة القدم؟”. لم يتردد هيرنانديز، بل رأى فرصة لإبراز ثراء وتنوع موسيقى مارياتشي لجمهور جديد تمامًا. وهكذا، في عام 2019، وُلدت فرقة مارياتشي رامز، لتصبح علامة فارقة في عالم الرياضة والترفيه.
مزيج مبتكر: مارياتشي، هيب هوب، وروك أند رول
ما يميز مارياتشي رامز ليس مجرد وجودها في مباريات NFL، بل طريقة عزفهم. فبدلًا من الاكتفاء بالمقاطع التقليدية، تقوم الفرقة بإعادة تصور أغاني البوب والهيب هوب والروك الشهيرة، وتأديتها بأسلوب مارياتشي مميز. تخيل “California Love” لتوباك شاكور وهي تتألق بنغمات البوق والقواعد النحاسية المبهجة، معزوفة على أنغام مارياتشي تقليدية! هذا هو بالضبط ما يقدمه فريق مارياتشي رامز.
تقول كريستال هيرنانديز، ابنة خوسيه هيرنانديز والعازفة الوحيدة على الكمان في الفرقة: “موسيقى مارياتشي مرنة للغاية، وأعتقد أن هذا ما يجعلها مميزة. نحن نعرض مدى تنوع موسيقى مارياتشي لجمهور NFL”. وهذا التنوع الموسيقي هو سر نجاح الفرقة، حيث تجذب المعجبين من خلفيات مختلفة، وتجمعهم على حب الموسيقى والرياضة. كما يشكل هذا المزيج الثقافي (الثقافة المكسيكية) علامة مميزة لمدينة لوس أنجلوس.
أبطال من خارج الملعب: حياة أعضاء الفرقة
خلف الأضواء الساطعة وأجواء الحماس في ملعب صوفي، يقود أعضاء مارياتشي رامز حياة مزدوجة. فبين عروضهم الموسيقية المبهرة في المباريات، يواصلون مسيرتهم المهنية في مجالات متنوعة. يعمل العديد منهم كمعلمين في أكاديمية مارياتشي التابعة لخوسيه هيرنانديز، بينما يمارس آخرون وظائف في مجالات مثل الخدمات المصرفية والتصميم الجرافيكي والأداء الأوركسترالي الكلاسيكي.
يقول خوسيه هيرنانديز: “لديهم وظائفهم المعتادة خلال الأسبوع. بالنسبة لهم، فإن ارتداء هذه البدلة والذهاب إلى صوفي والعزف… لا يمكنك حتى أن تتخيل الفخر الذي يشعرون به”. الفخر هذا يمتد إلى ما هو أبعد من الأداء الموسيقي. إنهم سفراء للثقافة المكسيكية، يمثلون مجتمعهم بكل فخر واعتزاز.
تأثير يتجاوز حدود الملعب: راميليا
لقد أصبحت فرقة مارياتشي رامز جزءًا لا يتجزأ من هوية فريق لوس أنجلوس رامز، لدرجة أن المعجبين يشعرون بالقلق إذا لم يتم تقديم عروضها المعتادة. تقول ماريسا دالي، نائب الرئيس الأول للاستوديو والتسويق في فريق رامز: “ربما كانت هناك مباراة واحدة اضطررنا فيها إلى قطع أحد عروضهم، وقد سمعنا عن ذلك بصوت المعجبين”.
وقد تجاوز تأثير الفرقة حدود ملعب صوفي، وامتد ليشمل المجتمع المحلي. فقد أصبحوا رمزًا للفخر والوحدة، وشهدوا على تكوين هوية جماهيرية جديدة أطلقوا عليها اسم “راميليا” (Ramília)، وهي مزيج من كلمات “رامز” و “عائلة”. يرى اللاعبون أيضًا هذا التأثير، حيث لاحظوا أن الفرقة تساعد في ربط الملعب بأكمله، وخلق جو عائلي وحيوي.
مارياتشي رامز: رائدًا في التنوع الثقافي في NFL
بعد نجاح مارياتشي رامز، بدأت فرق NFL أخرى في تبني فكرة دمج فرق مارياتشي في فعالياتها. ومع ذلك، يظل فريق رامز هو الرائد في هذا المجال، حيث كان أول فريق يتبنى هذه المبادرة بشكل كامل. هذا النجاح يتماشى مع جهود الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية الأوسع لتوسيع نطاق التنوع الثقافي في فعالياته.
إن قصة مارياتشي رامز هي قصة نجاح فريدة، تجسد قوة الموسيقى والثقافة في الجمع بين الناس. إنها شهادة على أن التقاليد يمكن أن تتعايش مع الحداثة، وأن التنوع يمكن أن يكون مصدرًا للقوة والابتكار. فبينما يواصل فريق مارياتشي رامز إبهار الجماهير في ملعب صوفي وخارجه، فإنه يترك بصمة لا تُمحى في عالم الرياضة والترفيه.
هل ترغب في معرفة المزيد عن تاريخ موسيقى المارياتشي وتأثيرها في لوس أنجلوس؟ شاركنا برأيك في هذه المبادرة الفريدة!

