في خطوة غير مسبوقة، أطلق البيت الأبيض بوابة إلكترونية جديدة تهدف إلى فضح ما يعتبره “تحيزًا إعلاميًا” في تغطية أخبار الرئيس دونالد ترامب. هذه الخطوة تأتي في سياق صراع مستمر بين الإدارة الأمريكية ووسائل الإعلام، وتعتبر تصعيدًا في الحملة التي بدأها ترامب ضد ما وصفه بـ “الأخبار الكاذبة”. يركز هذا المقال على تفاصيل هذه البوابة، ردود الأفعال عليها، وتداعياتها المحتملة على العلاقة بين السلطة والإعلام في الولايات المتحدة.

البيت الأبيض يطلق “بوابة التحيز الإعلامي”

أعلن البيت الأبيض عن إطلاق منصة رقمية جديدة، تهدف إلى تسليط الضوء على ما تراه الإدارة الأمريكية تحيزات في التقارير الإخبارية. وقد استهدفت البوابة في البداية صحفًا وقنوات إخبارية بارزة مثل بوسطن غلوب، و سي بي إس نيوز، و الإندبندنت، و واشنطن بوست، معتبرةً أن هذه المنافذ الإعلامية قدمت تغطية غير عادلة للرئيس ترامب.

تأتي هذه الخطوة كجزء من استراتيجية أوسع للإدارة الحالية، والتي تتضمن انتقادات متكررة لوسائل الإعلام واتهامات بنشر معلومات مضللة. وقد لجأ ترامب في السابق إلى مقاضاة بعض المنافذ الإخبارية، بالإضافة إلى تقييد وصول وكالة أسوشيتد برس إلى المؤتمرات الصحفية، وتفكيك بعض المؤسسات الإعلامية التي تديرها الحكومة مثل صوت أمريكا.

دعوة إلى “المساعدة الشعبية” في رصد التحيز

لم يكتف البيت الأبيض بإطلاق البوابة، بل وجه دعوة مباشرة إلى “الأمريكيين العاديين” للمساهمة في رصد حالات التحيز الإعلامي. وصرحت السكرتيرة الصحفية كارولين ليفيت بأن البوابة هي محاولة “لمحاسبة الصحفيين”، مشيرةً إلى صعوبة مواكبة جميع التقارير “الكاذبة والمضللة” دون مساعدة الجمهور.

هذه الدعوة تثير تساؤلات حول مصداقية المعلومات التي سيتم جمعها، واحتمالية استخدامها لتشويه سمعة الصحفيين أو تقويض استقلال وسائل الإعلام. كما أنها تعكس ثقة الإدارة في قدرة الجمهور على التمييز بين الخبر الصحيح والمضلل، وهو أمر قد يكون صعبًا في ظل انتشار المعلومات الكاذبة على نطاق واسع. التحيز الإعلامي أصبح محور نقاش رئيسي في السياسة الأمريكية.

ردود الفعل على البوابة الجديدة

تباينت ردود الأفعال على هذه المبادرة بشكل كبير. فمن جهة، رحب مركز أبحاث وسائل الإعلام المحافظ، المعروف بانتقاده لـ وسائل الإعلام الليبرالية، بهذه الخطوة واعتبرها “جهدًا أقوى مما قام به الرؤساء الجمهوريون من قبل”. ويرى المركز أن وسائل الإعلام تقف على الجانب الآخر من الانقسام السياسي، وأن من الضروري تعريفها بذلك.

من جهة أخرى، انتقدت العديد من المنافذ الإخبارية هذه البوابة واعتبرتها محاولة لتقويض حرية الصحافة. وقال رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة واشنطن بوست، مات موراي، إنها “استهداف خاطئ ومتعمد للصحفيين” بسبب ممارستهم لحق دستوري. وأكد موراي أن الصحيفة لن تتخلى عن التزامها بتقديم تقارير دقيقة وموضوعية.

المفارقة في تعامل ترامب مع الإعلام

على الرغم من الانتقادات الحادة التي يوجهها ترامب لوسائل الإعلام، تشير بعض التقارير إلى أنه يستهلك الأخبار بشكل كبير. فقد ذكر موقع أكسيوس أن وسائل الإعلام الرئيسية تنهي العام “مهيمنة أكثر من أي وقت مضى” في جذب انتباه الرئيس وتحديد أجندة واشنطن.

وأوضح جيم فانديهاي، الرئيس التنفيذي لشركة أكسيوس، أن ترامب “يلتهم هذه الأشياء مثل بطاطس ماكدونالدز المقلية الساخنة”، مشيرًا إلى أنه يشاهد الأخبار باستمرار، ويتصل بالمراسلين، ويتلقى مكالمات منهم. هذه المفارقة تسلط الضوء على العلاقة المعقدة بين ترامب ووسائل الإعلام، والتي تتسم بالعداء الظاهري والاعتماد الخفي. التغطية الإعلامية للرئيس ترامب كانت دائماً مثيرة للجدل.

أمثلة على الخلافات الأخيرة

تضمنت الأمثلة التي استشهدت بها البوابة الإلكترونية الجديدة خلافات حول رد فعل ترامب على مقطع فيديو نشره مشرعون ديمقراطيون لتذكير العسكريين بحقهم في رفض الأوامر غير القانونية. كما انتقدت البوابة تقريرًا لصحيفة واشنطن بوست حول الضربات العسكرية ضد قوارب مهربي المخدرات.

مستقبل العلاقة بين السلطة والإعلام

يثير إطلاق هذه البوابة تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين السلطة والإعلام في الولايات المتحدة. هل ستؤدي هذه الخطوة إلى مزيد من الاستقطاب والعداء؟ هل ستؤثر على قدرة الصحفيين على أداء عملهم بحرية وموضوعية؟

من الواضح أن هذه القضية ستظل قائمة على جدول الأعمال السياسي والإعلامي في الفترة المقبلة. ومن المهم أن يراقب الجميع عن كثب التطورات، وأن يدافعوا عن حرية الصحافة، وعن حق الجمهور في الحصول على معلومات دقيقة وموثوقة.

في الختام، تمثل بوابة التحيز الإعلامي محاولة جريئة من البيت الأبيض لإعادة تشكيل الخطاب العام والسيطرة على الرواية الإخبارية. ومع ذلك، فإن نجاح هذه المبادرة يعتمد على قدرتها على كسب ثقة الجمهور، وتقديم أدلة قوية على وجود تحيز إعلامي، وتجنب الانزلاق إلى حملة تشويه سمعة الصحفيين. يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه البوابة ستكون مجرد أداة دعائية، أم أنها ستمثل نقطة تحول في العلاقة بين السلطة والإعلام في الولايات المتحدة.

شاركها.
Exit mobile version