في قلب كابول، وبين أزقتها التي تحكي قصصًا من الماضي، سقطت صرحًا ثقافيًا عريقًا، سينما أريانا. لم تكن مجرد مبنى يعرض الأفلام، بل كانت نافذة على العالم، وملاذًا للترفيه، ورمزًا لمقاومة شعب أفغانستان في وجه الصعاب. في ديسمبر 2023، بدأت أطقم الهدم في تفكيك هذا المعلم التاريخي، لتختفي أريانا في غضون أسبوع، تاركة وراءها حزنًا عميقًا وشعورًا بالفقدان لدى محبي السينما في أفغانستان وخارجها. هذا الحدث يثير تساؤلات حول مستقبل الثقافة والترفيه في البلاد، ويذكرنا بأهمية الحفاظ على الذاكرة الجماعية.

سينما أريانا: حكاية صمود وتاريخ من الترفيه

افتتحت سينما أريانا أبوابها لأول مرة في أوائل الستينيات، في فترة شهدت أفغانستان انفتاحًا نسبيًا على الحداثة. كانت السينما تعكس هذا التوجه، بتصميمها الأنيق ومقاعدها الحمراء الفخمة، لتصبح وجهة مفضلة لسكان كابول. على مر العقود، نجت أريانا من أحداث جلل، بدءًا من الثورة والحرب السوفيتية، مرورًا بالحرب الأهلية الدامية في التسعينيات، وصولًا إلى فترة حكم طالبان الأولى.

على الرغم من الأضرار الجسيمة التي لحقت بها خلال فترات الصراع، ظلت أريانا صامدة، شاهدة على تقلبات الزمن. كانت تعرض أفلام بوليوود الهندية التي تحظى بشعبية كبيرة في أفغانستان، بالإضافة إلى أفلام الحركة الأمريكية، وبعض الإنتاجات السينمائية الأفغانية المحلية التي بدأت في الظهور بعد عام 2001.

سقوط أريانا: قرار البلدية وتداعياته الثقافية

مع عودة طالبان إلى السلطة في عام 2021، فرضت قيودًا صارمة على معظم أشكال الفن والترفيه، بما في ذلك الأفلام والموسيقى. بعد فترة وجيزة من استيلائهم على السلطة، أمرت الحكومة الجديدة بإغلاق جميع دور السينما في البلاد، وفي مايو 2023، أعلنت حل إدارة السينما الأفغانية بشكل رسمي.

على الرغم من إغلاقها، ظلت سينما أريانا قائمة، ولكن سلطات كابول قررت في النهاية أن السينما يجب أن تفسح المجال لمشروع تجاري جديد، وهو مجمع تسوق. وبرر نعمة الله باراكزاي، المتحدث باسم بلدية كابول، هذا القرار بأنه يهدف إلى تطوير الأراضي المملوكة للبلدية وتحقيق دخل جيد للمدينة.

هذا القرار أثار موجة من الغضب والحزن بين المثقفين والفنانين الأفغان، الذين اعتبروا هدم أريانا بمثابة خسارة فادحة للتراث الثقافي للبلاد. المخرج والممثل السينمائي الأفغاني، أمير شاه تالاش، عبّر عن أسفه الشديد، قائلاً: “لم يتم تدمير مبنى مصنوع من الطوب والأسمنت فحسب، بل أيضًا عشاق السينما الأفغان الذين قاوموا وواصلوا فنهم على الرغم من الصعوبات والمشاكل الأمنية الشديدة.”

أريانا في الذاكرة: أكثر من مجرد مكان للعرض

بالنسبة للكثيرين، كانت سينما أريانا مكانًا له قيمة رمزية ومعنوية كبيرة. لم تكن مجرد صالة لعرض الأفلام، بل كانت نقطة التقاء اجتماعية وثقافية، حيث كان الناس يتجمعون للتخفيف من همومهم ومشاكلهم، والاستمتاع بلحظات من السعادة والترفيه.

يتذكر أمير شاه تالاش زياراته في طفولته إلى أريانا مع إخوته، وكيف أثارت هذه الزيارات اهتمامه بالسينما. بل إن أحد أفلامه عُرض في صالة أريانا، وهو ما اعتبره من اللحظات التي لا تُنسى في حياته.

صدى أريانا يتجاوز الحدود

لم يكن تأثير سينما أريانا مقتصرًا على أفغانستان. ففي الماضي، كانت تجذب عشاق السينما من الدول المجاورة، مثل باكستان، حيث كانت الأفلام الهندية محظورة في بعض الأحيان. يتذكر صهيب رومي، وهو من محبي السينما الباكستانية، مشاهدته فيلم “سامجهوتا” في أريانا عام 1974، واعتبر هذه التجربة جزءًا لا يتجزأ من ذكرياته.

مستقبل الثقافة والترفيه في أفغانستان

إن هدم سينما أريانا يمثل علامة فارقة في تاريخ الثقافة والترفيه في أفغانستان. يثير هذا الحدث تساؤلات حول مستقبل الفن والإبداع في البلاد، في ظل القيود الصارمة التي تفرضها طالبان.

ومع ذلك، يرى أمير شاه تالاش أن الفن لا يقتصر على المباني، بل يعيش في عقول وقلوب الناس. ويؤكد على أن الأمل لا يزال موجودًا، وأن الفنانين الأفغان سيواصلون الإبداع والتعبير عن أنفسهم، حتى في ظل الظروف الصعبة.

على الرغم من التحديات، يجب أن تستمر الجهود للحفاظ على التراث الثقافي الأفغاني، وتشجيع الفن والإبداع، لضمان استمرار هذا الإرث للأجيال القادمة. إن فقدان صرح ثقافي مثل أريانا هو خسارة للجميع، ولكنه أيضًا تذكير بأهمية التمسك بالهوية الثقافية، والدفاع عن حرية التعبير.

الكلمات المفتاحية: سينما أريانا، أفغانستان، طالبان، الأفلام، الثقافة الأفغانية، الترفيه في أفغانستان، كابول، تاريخ السينما الأفغانية.

شاركها.
Exit mobile version