في ترينيداد وتوباغو، تعود آلة موسيقية فريدة من نوعها إلى الواجهة، تجذب جيلًا جديدًا بصوتها المميز. إنها الصلب، الآلة الإيقاعية التي نشأت في عام 1939، والتي تشهد إحياءً ملحوظًا بفضل التكنولوجيا الحديثة واهتمام متزايد من المدارس والموسيقيين الشباب. لم يعد هذا الصوت يقتصر على كبار السن، بل أصبح جزءًا حيويًا من المشهد الموسيقي الكاريبي، ويتردد صداه في جميع أنحاء العالم.
إحياء الصلب: من التراث إلى الحداثة
لطالما ارتبط صوت الصلب بمنطقة البحر الكاريبي، لكنه كان في السابق يتردد صداه بشكل أساسي بين الأجيال الأكبر سنًا في ترينيداد وتوباغو. هذا المشهد يتغير بسرعة، كما يؤكد أمريت سامارو، ابن الموسيقي الأسطوري جيت سامارو. يشير سامارو إلى أن الصلب أصبح “مثيرًا مرة أخرى”، وأن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا كبيرًا في هذا الإحياء، حيث يعزف الموسيقيون على هذه الآلة مجموعة متنوعة من الأغاني، بدءًا من البوب وحتى الريغي.
هذا التنوع الموسيقي يساهم في جذب جمهور أوسع، ويجعل الصلب أكثر جاذبية للأجيال الشابة. إن القدرة على عزف أي نوع من الموسيقى على الصلب، بالإضافة إلى تأثير الموسيقى الرائجة، تزيد من شعبيته بوتيرة سريعة.
تجربة فريدة: الصلب كملاذ وإلهام
بالنسبة للعديد من الشباب، لم يعد الصلب مجرد آلة موسيقية، بل أصبح تجربة فريدة ومصدر إلهام. جايل غرانت، الطالبة البالغة من العمر 17 عامًا وعضوة في فرقة Exodus Steel Orchestra، تصف العزف على الصلب بأنه “تجربة الخروج من الجسد”. بدأت غرانت العزف منذ الطفولة، وتعتبر هذه الآلة جزءًا لا يتجزأ من حياتها.
بالنسبة لجاهزارا لي-باب، توفر آلة الصلب ملاذًا من ضغوط الحياة في سن المراهقة. حبها لهذه الآلة دفعها إلى دراسة الفنون الجميلة في إحدى الجامعات المحلية. تقول لي-باب إن العزف على الصلب يساعدها على الشعور بالتحسن عندما تمر بأوقات عصيبة.
مدارس ترينيداد وتوباغو تحتضن الصلب
يشهد نظام التعليم في ترينيداد وتوباغو تحولًا ملحوظًا، حيث تقوم المدارس بشكل متزايد بتقديم الصلب للطلاب. في “بانيارد”، وهو مقر أوركسترا Exodus Steel Orchestra، يتعلم الأطفال الصغار، الذين لا تتجاوز أعمارهم 5 سنوات، العزف على هذه الآلة، استعدادًا لحفلات الكرنفال القادمة. تتبع الدروس منهجًا تدريجيًا، يتناسب مع الفئات العمرية المختلفة.
تعتبر Exodus Steel Orchestra، البطلة الحاكمة في مسابقة Panorama السنوية، مثالًا يحتذى به في تعليم الصلب. الطلاب يتعلمون من الأفضل، مما يضمن الحفاظ على جودة العزف وتطويره.
الصلب: روح الشعب وتطور التصنيع
نشأ الصلب من رحم التمرد والمرونة، بعد حظر السلطات البريطانية للعزف على الآلات الإيقاعية خلال احتفالات الكرنفال في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. أدى هذا الحظر إلى ابتكار العبيد السابقين آلة موسيقية جديدة باستخدام براميل الزيت المهملة. كما يوضح أمريت سامارو، فإن الصلب يمثل “روح الشعب” التي تحولت من جذورها الأفريقية إلى قبول عالمي.
في يوليو 2024، تم الاعتراف بالصلب رسميًا كالأداة الوطنية لترينيداد وتوباغو. لم يعد مصنعو الصلب يعتمدون على البراميل المهملة، بل يستخدمون التكنولوجيا الحديثة لتصنيع الآلة بكفاءة أكبر. في Panland، وهي شركة تصنع ألواح الصلب منذ أكثر من 30 عامًا، يمكن الآن تصنيع الألواح في نوبة عمل عادية، باستخدام الأدوات الكهربائية وقاذف اللهب القوي وتطبيقات الهاتف المحمول.
التكنولوجيا الحديثة وتطوير صناعة الصلب
لقد أدت التكنولوجيا إلى تغيير طريقة صنع الصلب، مما ساهم في إحيائه. بفضل مسحوق الطلاء الذي يتم تطبيقه على الأداة، تصنع Panland ألواحًا فولاذية أرخص وأكثر متانة. يقول مايكل كوبر، رئيس Panland، إن مسحوق الطلاء أكثر مقاومة للرطوبة والصدأ من الكروم، على الرغم من الاعتقاد السائد بعكس ذلك. هذا التطور في عملية التصنيع يضمن جودة أعلى للآلة ويجعلها أكثر سهولة في الوصول إليها.
الاعتراف العالمي والاحتفال بالصلب
لقد حصل الصلب مؤخرًا على المزيد من الاعتراف الرسمي على الصعيدين الوطني والدولي. قامت حكومة ترينيداد وتوباغو بتغيير شعار النبالة للبلاد، واستبدال سفن كريستوفر كولومبوس بسفن فولاذية. كما تم الإعلان عن 11 أغسطس يومًا عالميًا للصلب من قبل الأمم المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت صناعة الموسيقى الكاريبية زيادة في مشاركة النساء في العزف على الصلب، مما يكسر الحواجز التقليدية. تقول غرانت، الطالبة، إن العزف على الصلب تجربة جميلة، وأنها لا تسمع الموسيقى أو تعزفها فحسب، بل تشعر بها في جسدها.
في الختام، يشهد الصلب إحياءً ملحوظًا في ترينيداد وتوباغو، مدفوعًا بالتكنولوجيا الحديثة واهتمام الأجيال الشابة. هذه الآلة الفريدة ليست مجرد أداة موسيقية، بل هي رمز لروح الشعب الكاريبي وتراثه الغني. إن مستقبل الصلب يبدو واعدًا، مع استمرار الموسيقيين والمدارس والمصنعين في العمل معًا للحفاظ على هذا الإرث الثقافي وتعزيزه. شارك هذا المقال مع محبي الموسيقى الكاريبية وادعم هذا الفن الرائع!

