أزمة متحف اللوفر: إضراب يكشف عن ثغرات أمنية وتدهور في البنية التحتية
باريس (أ ف ب) – لم يعد الإضراب المستمر في متحف اللوفر مجرد نزاع عمالي، بل تحول إلى اختبار حقيقي لمدى أمان ومصداقية وكفاءة إدارة المتحف الأكثر زيارة في العالم. فبينما تتصاعد حدة الاحتجاجات، يكتشف الجمهور والمسؤولون الحقائق المقلقة المتعلقة بحالة المبنى والتحذيرات المتكررة من نقص الموارد والإجراءات الأمنية غير الكافية.
تصاعد الأزمة: من الإضراب العشوائي إلى سرقة المجوهرات
بدأت الأمور تتدهور في يونيو الماضي مع إضراب عشوائي أدى إلى إغلاق المتحف بشكل مفاجئ، وترك الزوار عالقين تحت الهرم الزجاجي الشهير الذي صممه إي إم باي. لكن المشكلة الحقيقية بدأت تتضح بعد ذلك، حيث كشفت عمليات التفتيش عن ضعف في العوارض الأرضية، مما أثار مخاوف بشأن سلامة المبنى ككل.
هذه المشاكل هيكلية تفاقمت بشكل كبير مع جريمة سرقة بالجملة في أكتوبر، عندما تمكن لصوص من سرقة مجوهرات التاج باستهتار خلال وضح النهار. لم تستعرض هذه السرقة الإجراءات الأمنية المتراخية في متحف اللوفر فحسب، بل حولت أيضًا إلى قضية رأي عام ومسألة تتعلق بالفشل المؤسسي. وتفاقمت الأزمة بعد انتشار تقارير تفيد بأن اللصوص هربوا خلال أقل من 30 ثانية، وهو ما يكشف عن فجوة زمنية كارثية في الاستجابة.
ردود فعل متباينة ومطالب النقابات
حاول مسؤولو وزارة الثقافة احتواء الأزمة من خلال تقديم تنازلات، مثل إلغاء خطط خفض التمويل لعام 2026، وتعزيز عدد الحراس وموظفي خدمة الزوار، وزيادة الأجور. ومع ذلك، رفضت النقابات هذه الإجراءات باعتبارها غير كافية لمعالجة المشاكل الأساسية.
وصوتت النقابات لصالح الإضراب بسبب النقص المزمن في عدد الموظفين، وتدهور حالة المباني، وقرارات الإدارة التي يعتبرونها غير فعالة. وقد تم تمديد الإضراب حتى إشعار آخر، مما يؤكد تصميم المضربين على تحقيق مطالبهم.
إعادة افتتاح محدود وتأثير على السياحة
في محاولة لتخفيف الأثر على الزوار، أعاد متحف اللوفر افتتاحه بشكل جزئي في منتصف الأسبوع، مع تقديم “طريق التحف” المحدود الذي يسمح بالوصول إلى بعض الأعمال الفنية الرئيسية مثل الموناليزا وتمثال فينوس دي ميلو.
لكن هذا الحل المؤقت لم يرضِ الجميع. بعض الزوار، الذين خططوا لرحلاتهم خصيصاً لرؤية المتحف بأكمله، شعروا بالإحباط وخيبة الأمل. كارمن جارسيا، وهي سائحة من إسبانيا، عبرت عن خجلها من رؤية هذا الصرح العالمي في حالة من التدهور، خاصة بعد سرقة المجوهرات.
تحقيق برلماني يوصي بإعادة هيكلة شاملة
كشف تحقيق برلماني عن سلسلة من الإخفاقات التي ساهمت في سرقة المجوهرات، بما في ذلك عدم عمل كاميرا مراقبة رئيسية، ونقص في شاشات المراقبة، وتأخر استجابة الشرطة بسبب معلومات خاطئة. بالإضافة إلى ذلك، أشارت عمليات تدقيق سابقة في عامي 2017 و2019 إلى وجود نقاط ضعف أمنية لم يتم إصلاحها بشكل كامل.
لمعالجة هذه المشاكل، عينت وزارة الثقافة فيليب جوست، رئيس ترميم كاتدرائية نوتردام، للإشراف على عملية إعادة هيكلة شاملة في متحف اللوفر. يعتبر هذا التعيين بمثابة اعتراف ضمني بفقدان الثقة في الإدارة الحالية.
“النهضة الجديدة” والتركيز على الأولويات الخاطئة
أطلق الرئيس إيمانويل ماكرون خطة طموحة لتجديد متحف اللوفر بعنوان “النهضة الجديدة” والتي تهدف إلى تحديث البنية التحتية وتحسين تجربة الزوار. لكن النقابات تنتقد الخطة لبطئها الشديد وركزها المفرط على المشاريع الكبرى مثل إنشاء مدخل خاص للموناليزا.
ويرى العمال أن الأموال يجب أن تُستخدم بدلاً من ذلك في معالجة المشاكل الأمنية والهيكلية الملحة، وتعيين المزيد من الموظفين، وتحسين المراقبة. فمن وجهة نظرهم، فإن التركيز على جذب المزيد من الزوار إلى الموناليزا ليس هو الحل، بل هو دليل على وجود أولويات خاطئة.
مسؤولية الإدارة السابقة
أثار موضوع الإخفاقات الأمنية جدلاً حول مسؤولية الإدارة السابقة للمتحف. جان لوك مارتينيز، المدير السابق لمتحف اللوفر، دافع عن الخطة الأمنية التي كانت مطبقة، مدعياً أنها كانت كافية. لكنه اعترف بالتأخير في تنفيذ خطة الإصلاحات التي تبلغ تكلفتها 54 مليون يورو، معرباً عن صدمته من السرقة.
مستقبل متحف اللوفر معلق
يشكل الإضراب المستمر والتحقيقات المتواصلة نقطة تحول حاسمة في تاريخ متحف اللوفر. المستقبل يعتمد على قدرة الإدارة الجديدة على استعادة الثقة، ومعالجة المشاكل المتعلقة بالأمن والبنية التحتية، وضمان بيئة عمل عادلة ومستقرة للموظفين.
يجب على المسؤولين إعطاء الأولوية لسلامة الأعمال الفنية والمبنى، والاستماع إلى مخاوف الموظفين، واتخاذ تدابير فعالة لمنع تكرار مثل هذه الأزمات في المستقبل. فالحفاظ على هذا المعلم الثقافي العالمي يتطلب جهودًا متضافرة ورؤية استراتيجية بعيدة المدى.
الكلمات المفتاحية المستخدمة: متحف اللوفر، إضراب متحف اللوفر، أمن متحف اللوفر.
الكلمات الثانوية: تدهور البنية التحتية، سرقة المجوهرات، التمييل الثقافي العالمي.

