أسميك غريغوريان، اسم يتردد صداه في أوساط محبي الأوبرا، تستعد لإضافة فصل جديد ومثير إلى مسيرتها الفنية الحافلة. فبعد عقود من التألق، تعلن هذه السوبرانو الموهوبة عن تحدٍ جديد: تجسيد دور كارمن الشهير في مهرجان سالزبورغ الصيفي القادم. هذا الدور، الذي يعتبر محكًا حقيقيًا للميزو سوبرانو، يمثل نقطة تحول في مسيرة غريغوريان، ويؤكد تصميمها على استكشاف آفاق جديدة في عالم الأوبرا.
أسميك غريغوريان وتحدي دور كارمن
تعتبر كارمن من أكثر الأدوار تعقيدًا وتطلبًا في عالم الأوبرا، حيث تتطلب من المغنية ليس فقط قوة صوتية استثنائية، بل أيضًا قدرة فائقة على التعبير عن المشاعر المتناقضة التي تعيشها الشخصية. غريغوريان، البالغة من العمر 44 عامًا، ترى أن الوقت الحالي هو الأمثل لخوض هذه التجربة، معبرة عن رغبتها في تقديم أداء متميز قبل أن يحل التقدم في العمر.
“اعتقدت أنني إذا أردت أن أؤدي أغنية “كارمن” فيجب أن أفعل ذلك الآن لأنني لا أريد أن أفعل ذلك عندما أبلغ 54 عاماً”، هذا ما صرحت به غريغوريان قبل حفل موسيقي في قاعة كارنيجي بنيويورك. هذا التصريح يعكس وعيها العميق بمتطلبات الدور، وإدراكها لأهمية تقديم أداء يواكب طموحاتها الفنية.
تاريخ الدور وأبرز من قدمنه
لم تكن كارمن دورًا سهلًا حتى على أساطير الأوبرا. فماريا كالاس وليونتين برايس وجيسي نورمان وأنجيلا جورجيو سجلن الأغاني، لكنهن لم يغنين الدور الكامل على المسرح. في السنوات الأخيرة، برزت آنا ماريا مارتينيز ودانييل دي نيس كأبرز السوبرانو اللاتي قدمن عروضًا حية للفاتنة الشهيرة، بينما قامت فيكتوريا دي لوس أنجليس بأداء هذه الأغنية في أواخر مسيرتها المهنية. كل واحدة من هؤلاء الفنانات تركت بصمتها الخاصة على الدور، مما يضيف إلى ثقل التحدي الذي يواجهه غريغوريان.
الاستعدادات الأولية والعروض القادمة
من المقرر أن تقدم غريغوريان ثمانية عروض لـ كارمن ابتداءً من 26 يوليو، ضمن إنتاج جديد لجابرييلا كاريزو، وبقيادة المايسترو تيودور كرنتزيس. سينضم إليها جوناثان تيتيلمان في دور دون خوسيه، وكريستينا مخيتاريان في دور ميكايلا. هذا الإنتاج الجديد يثير الكثير من التوقعات، نظرًا للأسماء اللامعة التي تشارك فيه، والوعد بتقديم رؤية مبتكرة للدور الكلاسيكي.
بيتر جيلب، المدير العام لأوبرا متروبوليتان، أعرب عن ثقته بقدرة غريغوريان على النجاح في هذا الدور، واصفًا إياها بأنها “نوع من مغنية المدرسة القديمة، تتمتع بالشجاعة اللازمة لتجربة أدوار جديدة”. هذا الدعم من شخصية مرموقة مثل جيلب يعزز من فرص نجاح غريغوريان، ويؤكد على مكانتها المتميزة في عالم الأوبرا.
حفل كارنيجي والتحضير لـ “يوجين أونيجين”
قبل انطلاق عروض كارمن، تشارك غريغوريان في حفل موسيقي في قاعة كارنيجي بنيويورك، إلى جانب نخبة من نجوم الأوبرا، مثل توماس هامبسون وسوندرا رادفانوفسكي ونادين سييرا. هذا الحفل يمثل فرصة ذهبية لغريغوريان لإظهار قدراتها الصوتية، والتواصل مع جمهورها الأمريكي.
بالإضافة إلى ذلك، تستعد غريغوريان لتقديم دور ميكايلا في أوبرا “يوجين أونيجين” لبيوتر تشايكوفسكي في متحف متروبوليتان ابتداءً من 20 أبريل. هذا الدور يمثل تحديًا آخر لغريغوريان، حيث يتطلب منها تقديم أداء عاطفي مؤثر، يتماشى مع قصة الحب المأساوية التي تدور حولها الأوبرا.
تحديات تنظيم الحفلات في الولايات المتحدة
يوجين وينتور، المروج الذي قام بترتيب حفل كارنيجي، أشار إلى بعض التحديات التي تواجه تنظيم الحفلات الموسيقية في الولايات المتحدة، مقارنة بأوروبا. “في أوروبا، يتم بيع حفلات عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة على الفور. إنه منحنى التعلم الذي يعمل هنا في الولايات المتحدة”، هذا ما قاله وينتور، معربًا عن خططه لتنظيم حفل موسيقي آخر مليء بالنجوم في العام المقبل.
رحلة غريغوريان وتفانيها في الفن
غريغوريان سافرت من فيلنيوس بليتوانيا إلى زيوريخ ثم إلى نيويورك، متجهة مباشرة من مطار جون كينيدي الدولي إلى البروفة في كنيسة ريفرسايد. هذا الالتزام والتفاني في عملها يعكسان شغفها بالفن، ورغبتها في تقديم أفضل ما لديها لجمهورها. كما أكدت على أهمية قضاء عيد الميلاد مع عائلتها، معبرة عن رغبتها في أن تكون معهم في هذا اليوم المميز.
مستقبل واعد في عالم الأوبرا
أسميك غريغوريان، التي بدأت مسيرتها في الأوبرا عام 2004 بدور دونا آنا في “دون جيوفاني” لموتسارت، أصبحت منذ ذلك الحين واحدة من أبرز مغنيات السوبرانو الدرامية في العالم. موسمها الحالي يتضمن أدوارًا رئيسية في “Turandot” و”Manon Lescaut” لجياكومو بوتشيني، وفي “Salome” لريتشارد شتراوس. كما أنها تخطط لتقديم دور “Tristan und Isolde” لريتشارد فاغنر لأول مرة في دار الأوبرا في فيينا عام 2029.
غريغوريان تعترف بأن تجسيد دور كارمن يمثل تحديًا كبيرًا، لكنها مستعدة لمواجهته بكل ثقة وإصرار. “بدأت أعيش هذا الدور يومًا بعد يوم قليلاً. لا أعرف أبدًا ما إذا كان بإمكاني غناء شيء ما قبل أن أبدأ في القيام به، لذلك ربما يكون فشلي؟ من يدري؟ دعونا نرى”، هذا ما قالته غريغوريان، معبرة عن حماسها وترقبها للعروض القادمة. من المؤكد أن أداء غريغوريان الأول بدور كارمن سيجذب اهتمامًا كبيرًا في عالم الموسيقى الكلاسيكية، وسيضيف فصلًا جديدًا ومثيرًا إلى مسيرتها الفنية الحافلة.


