في السنوات الأخيرة، شهد قطاع الإعلام الأمريكي تحولات كبيرة، أبرزها عمليات الاندماج والاستحواذ المتزايدة. آخر هذه التطورات، خطوة عملاق البث سينكلير للاستحواذ على حصة كبيرة في شركة EW Scripps، مما يثير تساؤلات حول مستقبل الإعلام المحلي والمنافسة في السوق. هذه الخطوة تأتي في وقت يشهد فيه قطاع الإعلام تحديات متزايدة، بما في ذلك صعود الشركات التكنولوجية الكبرى وتغير عادات المشاهدة.

سينكلير تستحوذ على حصة في EW Scripps: نظرة عامة

أعلنت شركة سينكلير براودكاست جروب (Sinclair Broadcast Group) عن استحواذها على أكثر من 8% من أسهم EW Scripps، وفقًا لملف تنظيمي قدمته يوم الاثنين. يأتي هذا الاستحواذ في إطار سعي سينكلير لإمكانية الاندماج مع منافسها الأصغر، EW Scripps. يُظهر هذا التحرك رغبة سينكلير في تعزيز مكانتها في السوق وزيادة قدرتها التنافسية في مواجهة التحديات المتزايدة التي تواجه قطاع البث التلفزيوني.

دوافع الاندماج المحتمل وتأثيره على السوق

أوضحت سينكلير أن زيادة حجم الشركة ضرورية لمواجهة “الرياح المعاكسة المزمنة” والمنافسة الفعالة في المشهد الإعلامي الأمريكي المتغير. وتشمل هذه الرياح المعاكسة المنافسة المتزايدة من شركات التكنولوجيا العملاقة مثل جوجل وفيسبوك، بالإضافة إلى عمليات الدمج الأخيرة في القطاع، مثل صفقة Nexstar Media Group للاستحواذ على Tegna بقيمة 6.2 مليار دولار. ويرى البعض أن هذه الصفقات تهدف إلى تمكين الشركات الإعلامية من التفاوض بشكل أفضل مع مقدمي خدمات الكابل والأقمار الصناعية، بالإضافة إلى جذب المزيد من الإعلانات.

الاندماج الإعلامي ليس ظاهرة جديدة، لكن وتيرة هذه العمليات تزايدت في السنوات الأخيرة، مما أثار قلق المراقبين بشأن تركيز السلطة الإعلامية وتأثيرها على التنوع في الأخبار والمعلومات.

رد فعل EW Scripps وارتفاع قيمة الأسهم

أكدت شركة EW Scripps علمها بحصة سينكلير الجديدة، وأعلنت أن مجلس إدارتها سيواصل تقييم أي معاملات تخدم مصلحة المساهمين. وفي الوقت نفسه، أشارت الشركة إلى أنها ستتخذ خطوات لحماية نفسها من أي “أعمال انتهازية” من جانب سينكلير أو أي طرف آخر.

وعلى الفور، ارتفعت أسهم Scripps بنسبة تقارب 40% في اليوم الذي أعلنت فيه سينكلير عن استحواذها على الحصة، حيث أغلق السهم عند حوالي 4.28 دولار. في المقابل، ارتفع سهم سينكلير بنسبة 4.91% ليغلق عند 16.87 دولارًا للسهم. يعكس هذا الارتفاع الكبير في قيمة أسهم Scripps توقعات المستثمرين بإمكانية حدوث صفقة استحواذ مربحة.

المخاوف المتعلقة بتوحيد الأخبار وتأثيره السياسي

يثير احتمال الاندماج بين سينكلير و Scripps مخاوف بشأن توحيد الأخبار المحلية. يرى النقاد أن عمليات الاستحواذ هذه تؤدي إلى تكرار التقارير الإخبارية المشتركة، مما يقلل من التنوع في وجهات النظر ويمنح أصحاب الشركات مزيدًا من السيطرة على المحتوى الذي يتم بثه.

وقد شهدنا بالفعل أمثلة على ذلك في سبتمبر الماضي، عندما اختارت كل من Nexstar و سينكلير مقاطعة عرض جيمي كيميل الليلي عبر محطاتهم التابعة لقناة ABC، وذلك بسبب انتقادات الممثل الكوميدي بعد مقتل الناشط المحافظ تشارلي كيرك. استمر التعتيم على العشرات من الأسواق التلفزيونية المحلية لأكثر من أسبوع، مما أثار جدلاً واسعاً حول تدخل أصحاب الشركات في المحتوى الإخباري. هذه الحادثة تجسد المخاوف من أن الاندماج الإعلامي قد يؤدي إلى تسييس الأخبار وتقليل استقلالية الصحافة.

سينكلير و EW Scripps: نظرة أقرب

سينكلير براودكاست جروب، ومقرها هانت فالي بولاية ماريلاند، تمتلك أو تدير أو تقدم خدمات لـ 185 محطة تلفزيون في 85 سوقًا رئيسيًا في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى امتلاكها قناة التنس. تشتهر سينكلير بتوجهها السياسي المحافظ في برامجها الإذاعية.

في المقابل، تدير EW Scripps، ومقرها سينسيناتي بولاية أوهايو، أكثر من 60 محطة محلية في أكثر من 40 سوقًا. كما أنها تمتلك منافذ إخبارية وطنية مثل Scripps News و Court TV، بالإضافة إلى علامات تجارية ترفيهية مثل ION.

مستقبل الاندماج والتحديات التنظيمية

لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الشركتان ستتوصلان إلى اتفاق نهائي بشأن الاندماج. وحتى في حالة التوصل إلى اتفاق، ستحتاجان إلى الحصول على موافقة الجهات التنظيمية، مثل لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC).

ومع ذلك، قد يكون الحصول على الضوء الأخضر التنظيمي أسهل في ظل الإدارة الحالية التي أبدت انفتاحًا على تغيير القواعد التي تحد من عدد المحطات التي يمكن لشركة واحدة أن تمتلكها. ومن الجدير بالذكر أن الاندماج المقترح بين Nexstar و Tegna سيتطلب أيضًا تغييرات في هذه القواعد.

ختامًا، يمثل استحواذ سينكلير على حصة في EW Scripps خطوة مهمة في سلسلة من عمليات الاندماج والاستحواذ التي تشكل مستقبل الإعلام الأمريكي. من الضروري مراقبة هذا التطور عن كثب لتقييم تأثيره على التنافسية في السوق، وتنوع الأخبار، وحرية الصحافة. ستكون الموافقة التنظيمية هي العامل الحاسم في تحديد ما إذا كان هذا الاندماج الإعلامي سيغير المشهد الإعلامي الأمريكي بشكل دائم.

شاركها.
Exit mobile version