إيران تصدم عالم السينما بحكم غيابي على جعفر بناهي
القاهرة – في تطور صادم لعالم السينما، حكمت السلطات الإيرانية على المخرج السينمائي الشهير جعفر بناهي بالسجن لمدة عام غيابياً، وذلك على الرغم من حصوله مؤخرًا على جوائز مرموقة لفيلمه الأخير. يأتي هذا الحكم في ظل استمرار الضغوط على الفنانين والمبدعين في إيران، ويُثير تساؤلات حول حرية التعبير والإبداع في البلاد. هذا الخبر يضعنا أمام واقع صعب يواجهه جعفر بناهي، أحد أبرز الأصوات السينمائية الإيرانية المعاصرة.
حكم بالسجن وغرامة بتهمة “الأنشطة الدعائية ضد النظام”
أكد المحامي مصطفى نيلي، في منشور عبر منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، أن محكمة طهران قد أصدرت حكمًا بإدانة بناهي بتهمة “الأنشطة الدعائية ضد النظام”. بالإضافة إلى السجن لمدة عام، فرضت المحكمة حظرًا على مغادرة بناهي لإيران لمدة عامين. وأضاف نيلي أنه سيقوم بالطعن في هذا الحكم، معربًا عن أمله في تحقيق العدالة لموكله.
الجدير بالذكر أن هذا الحكم صدر في وقت كان بناهي فيه في مدينة نيويورك لتسلم ثلاث جوائز عن فيلمه “لقد كان مجرد حادث” في حفل توزيع جوائز جوثام السنوي. الفيلم نفسه قد فاز بجائزة جوثام، وتم اختياره لتمثيل فرنسا في جوائز الأوسكار، مما يعكس التقدير الدولي الذي يحظى به عمل بناهي.
“لقد كان مجرد حادث”: فيلم حاز على إعجاب النقاد والجوائز
“لقد كان مجرد حادث” ليس مجرد فيلم ناجح، بل هو عمل فني عميق يتناول قضايا معقدة تتعلق بالعدالة والانتقام والذاكرة. الفيلم، الذي تم تصويره سراً في إيران، يروي قصة مجموعة من السجناء السابقين الذين يسعون للعثور على الرجل الذي يعتقدون أنه كان جلادهم في السجن.
قصة الفيلم وتحديات إنتاجه
تكمن صعوبة الفيلم في أن السجناء كانوا معصوبي الأعين أثناء فترة سجنهم، مما يجعل عملية التعرف على الجلاد أمرًا بالغ الصعوبة. هذا العنصر يضيف طبقة من الغموض والتشويق إلى القصة، ويجعلها أكثر إثارة للتفكير. كما أن تصوير الفيلم سراً، بعد قضاء بناهي سبعة أشهر في السجن، يمثل تحديًا إضافيًا يعكس المخاطر التي يواجهها المبدعون في إيران. وقد اضطر بناهي إلى الدخول في إضراب عن الطعام مرة واحدة خلال عملية الإنتاج.
الفيلم يرتكز على قصص حقيقية جمعها بناهي من زملائه السجناء، مما يضفي عليه مصداقية وعمقًا إنسانيًا. هذا الفيلم يمثل إضافة قوية إلى مسيرة الأفلام الإيرانية المتميزة.
تاريخ من المضايقات والقيود على حرية التعبير
هذا الحكم ليس الأول من نوعه الذي يواجهه المخرج جعفر بناهي. على مدار العشرين عامًا الماضية، تعرض بناهي للسجن المتكرر ومنعه من السفر ووضعه تحت الإقامة الجبرية من قبل السلطات الإيرانية. تأتي هذه الإجراءات في سياق حملة أوسع نطاقًا لقمع المعارضة وتقييد حرية التعبير في إيران.
بناهي، على الرغم من هذه القيود، لم يتوقف عن صناعة الأفلام، بل استمر في تقديم أعمال فنية جريئة ومؤثرة تتناول قضايا اجتماعية وسياسية حساسة. يعتبره الكثيرون رمزًا للمقاومة الإبداعية في إيران، وشخصية تلهم الفنانين والمبدعين في جميع أنحاء العالم.
ردود الفعل الدولية وتأثير الحكم على السينما الإيرانية
أثار الحكم الصادر ضد بناهي موجة من الإدانات الدولية. منظمات حقوق الإنسان وجمعيات السينمائيين أعربت عن قلقها العميق بشأن هذا الحكم، واعتبرته اعتداءً على حرية التعبير والإبداع. كما دعت هذه المنظمات السلطات الإيرانية إلى إسقاط التهم الموجهة ضد بناهي والسماح له بممارسة عمله بحرية.
هذا الحكم قد يكون له تأثير سلبي على السينما الإيرانية بشكل عام. قد يؤدي إلى زيادة الرقابة على الأفلام وتشجيع المخرجين على الابتعاد عن الموضوعات الحساسة. ومع ذلك، من المرجح أن يستمر المبدعون الإيرانيون في تحدي القيود المفروضة عليهم، وتقديم أعمال فنية تعكس واقعهم وتطلعاتهم.
مستقبل بناهي والسينما الإيرانية
لا يزال مصير بناهي مجهولاً. لم يصدر أي تعليق منه حتى الآن بشأن الحكم، ولا توجد معلومات مؤكدة حول ما إذا كان يعتزم العودة إلى إيران. في الوقت الحالي، يركز بناهي على الترويج لفيلمه “لقد كان مجرد حادث” في المحافل الدولية، ومواصلة عمله الإبداعي.
من الواضح أن هذا الحكم يمثل تحديًا كبيرًا لبناهي وللسينما الإيرانية. ومع ذلك، فإن إصراره على الاستمرار في صناعة الأفلام، والتقدير الدولي الذي يحظى به عمله، يبعثان على الأمل في أن يتمكن من التغلب على هذه الصعوبات، وأن يستمر في إلهامنا بأفلامه. نأمل أن يشهد مستقبل الفن الإيراني مزيدًا من الحرية والتعبير.
