بالنسبة للعديد من الأطفال، تمثل تجربة ارتداء النظارات للمرة الأولى علامة فارقة في حياتهم، وغالبًا ما تكون أول زيارة لهم لطبيب العيون. ولكن ماذا لو كانت هذه العدسات قادرة على فعل أكثر من مجرد تصحيح الرؤية، بل والمساعدة في الحفاظ على بصر الطفل وتقليل فرص الإصابة بمشاكل العين الأكثر خطورة في المستقبل؟ هذا هو الوعد الذي تقدمه عدسات جديدة، مصممة خصيصًا لإبطاء تطور قصر النظر، وقد حصلت على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) في سبتمبر الماضي. وبينما كانت هذه التكنولوجيا متاحة بالفعل في أوروبا وآسيا، فإن توفرها الآن في الولايات المتحدة يمثل خطوة مهمة نحو معالجة هذه المشكلة المتزايدة.

ما هو قصر النظر ولماذا يزداد انتشاره؟

قصر النظر، أو كما يُعرف شعبياً بضعف البصر البعيد، هو حالة شائعة تحدث عندما يرى الشخص الأشياء القريبة بوضوح، بينما تبدو الأشياء البعيدة ضبابية أو غير واضحة. تظهر الدراسات العالمية ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات قصر النظر بين الأطفال والمراهقين، ويعزو الباحثون ذلك بشكل كبير إلى التغيرات في نمط الحياة، وخاصةً زيادة الوقت الذي يقضيه الأفراد في الأنشطة القريبة مثل القراءة، واستخدام الأجهزة الرقمية، والعمل على الشاشات.

الدكتور مايكل ريبكا، أستاذ وطبيب عيون الأطفال في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز، يشير إلى أن ما بين 30% إلى 40% من الأطفال في الولايات المتحدة سيعانون من قصر النظر بحلول نهاية المرحلة الثانوية. هذا الارتفاع يثير قلقًا بالغًا، ليس فقط بسبب تأثيره على جودة الحياة، ولكن أيضًا بسبب ارتباطه بمشاكل صحية أخرى في المستقبل.

خيارات العلاج التقليدية لقصر النظر

حتى وقت قريب، كان العلاج التقليدي لقصر النظر يقتصر بشكل أساسي على تصحيح الرؤية باستخدام النظارات أو العدسات اللاصقة. كان الهدف هو مساعدة الطفل على الرؤية بوضوح، ولكن لم يكن هناك تدخل يهدف إلى إبطاء أو وقف تطور الحالة نفسها. كما يقول الدكتور ريبكا: “كان الأمر بسيطًا: يحتاج طفلك إلى نظارات وسيتعايش معها. ستستمر هذه الحاجة مدى الحياة، ومن المرجح أن يزداد قصر النظر سوءًا مع مرور السنوات.”

هذا يعني أن العديد من الأطفال الذين يعانون من قصر النظر سيحتاجون إلى تغيير وصفة النظارات الخاصة بهم بشكل متكرر، وقد يصلون في النهاية إلى درجات عالية من قصر النظر، مما يزيد من خطر الإصابة بمضاعفات خطيرة.

كيف تعمل عدسات Stellest الجديدة؟

تمثل عدسات Essilor Stellest نقلة نوعية في علاج قصر النظر، حيث أنها مصممة خصيصًا لإبطاء تطور هذه الحالة لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و 12 عامًا. وقد وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على هذه العدسات بناءً على بيانات الشركة التي أظهرت انخفاضًا بنسبة 70% في تطور قصر النظر لدى الأطفال الذين ارتدوها لمدة عامين.

تعتمد هذه العدسات على تقنية فريدة تتضمن 11 حلقة متحدة المركز مملوءة بنقاط صغيرة مرتفعة. تعمل هذه النقاط على إعادة تركيز الضوء على شبكية العين بطريقة يعتقد أنها تبطئ استطالة العين، وهي العملية التي تؤدي إلى تفاقم قصر النظر.

الدكتور ريبكا يوضح: “سواء ثبتت صحة هذه الفرضية العلمية أم لا، فهذا ليس مهمًا بقدر ما هو فعال. العدسات تبدو وكأنها تعمل بغض النظر عن كيفية عمل العلم الأساسي.” وقد أظهرت دراسات الشركة انخفاضًا بنسبة 50% في إطالة العين لدى الأطفال الذين ارتدوا العدسات الجديدة بعد عامين. يجري حاليًا باحثون في الولايات المتحدة ودول أخرى دراسات مستقلة لتأكيد هذه النتائج الواعدة.

الفوائد المحتملة طويلة الأمد

لا تقتصر فوائد إبطاء تطور قصر النظر على مجرد الحفاظ على الرؤية الجيدة. فقد أظهرت الأبحاث أن قصر النظر الشديد يزيد من خطر الإصابة بمجموعة متنوعة من المشاكل الصحية الخطيرة في المستقبل، بما في ذلك إعتام عدسة العين، والزرق (الجلوكوما)، وانفصال الشبكية، الذي يمكن أن يؤدي إلى فقدان البصر الكامل.

الدكتورة روبا وونغ، طبيبة عيون الأطفال في هونولولو، تؤكد على أهمية التدخل المبكر: “لدينا الآن طريقة لإبطاء هذه العملية، وربما يمكننا منع الأطفال من الوصول إلى تلك الحالة من طول العين المفرط التي تجعلهم عرضة لخطر الإصابة بالعمى.”

تكلفة العدسات الجديدة

تبلغ تكلفة التجزئة المقترحة لعدسات Essilor Stellest حوالي 450 دولارًا أمريكيًا، وفقًا لشركة EssilorLuxottica. ومع ذلك، من المتوقع أن تغطي معظم شركات التأمين على الرؤية الكبرى في الولايات المتحدة تكلفة هذه العدسات للأطفال الذين يستوفون معايير الوصفات الطبية.

مقارنة مع علاجات قصر النظر الأخرى

المنتج الوحيد الآخر الذي حصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لإبطاء قصر النظر هو العدسات اللاصقة MiSight. تستخدم هذه العدسات اليومية التي تستخدم لمرة واحدة نهجًا مشابهًا يهدف إلى إبطاء تطور قصر النظر لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و 12 عامًا.

ومع ذلك، تشير الدكتورة وونغ إلى أن العديد من الآباء والأطباء قد يفضلون النظارات كخيار علاجي. “قد يتردد الكثير من الناس في وضع العدسات اللاصقة لطفل لا يتجاوز عمره 8 سنوات، لذا فإن النظارات توفر بديلاً رائعًا حقًا.”

هناك أيضًا قطرات عين علاجية تهدف إلى إبطاء قصر النظر، ولكن هذه القطرات لم تحصل بعد على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية.

من هم المرشحون المثاليون؟

بموجب قرار الموافقة الصادر عن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، يمكن وصف عدسات Stellest لأي طفل يعاني من قصر النظر ضمن الفئة العمرية الموصى بها (6-12 عامًا). لم يتم الإبلاغ عن أي آثار جانبية خطيرة، على الرغم من أن بعض الأطفال قد يعانون من اضطرابات بصرية طفيفة، مثل الهالات حول الأشياء، أثناء ارتداء العدسات.

الدراسات التي استعرضتها إدارة الغذاء والدواء للموافقة على العدسات أجريت في آسيا. لذلك، يرى الدكتور ريبكا أن أطباء العيون وفاحصي البصر في الولايات المتحدة قد يرغبون في إجراء المزيد من الأبحاث لتقييم فعالية العدسات في مجموعات سكانية مختلفة. “أعتقد أنه قبل أن يتم استخدامها على نطاق واسع، سنحتاج إلى بعض البيانات في الولايات المتحدة” التي توضح مدى فعالية هذه العدسات.

في الختام، تمثل عدسات Essilor Stellest تطورًا واعدًا في علاج قصر النظر لدى الأطفال. من خلال إبطاء تطور هذه الحالة، يمكن لهذه العدسات أن تساعد في الحفاظ على رؤية الأطفال وتقليل خطر الإصابة بمشاكل العين الخطيرة في المستقبل. إذا كان طفلك يعاني من قصر النظر، فتحدث مع طبيب العيون الخاص بك لمعرفة ما إذا كانت هذه العدسات هي الخيار المناسب له.

شاركها.
Exit mobile version