في خطوة تعكس قناعات سويسريّة راسخة، رفض الناخبون السويسريون بشكل ساحق يوم الأحد الماضي مقترحًا مثيرًا للجدل بشأن إلزامية الخدمة الوطنية للنساء، بالإضافة إلى رفضهم فرض ضريبة وطنية على الثروات الكبيرة. يثير هذا التصويت تساؤلات حول مستقبل الأمن القومي في سويسرا، ومكانة المرأة في هذا السياق، وكيفية التعامل مع التحديات الاقتصادية والبيئية الملحة.
نتائج الاستفتاء: رفض قاطع لفرض الخدمة الوطنية على النساء
أظهرت نتائج الاستفتاء رفضًا حاسمًا لمبادرة “خدمة المواطن”، حيث بلغت نسبة الرفض أكثر من 84% على مستوى البلاد. لم يتمكن أي من الكانتونات السويسرية الـ 26 من تحقيق أغلبية مؤيدة للمقترح، مما يؤكد الإجماع العام على رفضه. يُذكر أن سويسرا تطبق بالفعل نظام الخدمة العسكرية الإلزامية على الرجال، مع خيارات للخدمة البديلة للمستنكفين ضميريًا، مقابل دفع رسوم إعفاء.
هذا الرفض القاطع يعكس مخاوف متعددة لدى الناخبين، تتراوح بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، وصولًا إلى التساؤلات حول جدوى توسيع نطاق الخدمة الوطنية في ظل الظروف الحالية.
الأسباب الكامنة وراء الرفض: اقتصاد، مجتمع، وتوقيت
تفسر الأسباب التي دفعت الناخبين إلى رفض هذا المقترح مجموعة متنوعة من العوامل. أبرزها، المخاوف الاقتصادية المتعلقة بتكلفة تنفيذ نظام الخدمة الوطنية الشامل، وتأثيره المحتمل على القوى العاملة. يرى الكثيرون أن إبعاد شريحة كبيرة من الشباب عن سوق العمل سيضر بالاقتصاد السويسري القائم على الكفاءة والابتكار.
علاوة على ذلك، يُثير مقترح الخدمة الوطنية قضايا تتعلق بالعدالة الاجتماعية وتوزيع المسؤوليات. يرى معارضون أن الفكرة تضع عبئًا إضافيًا على النساء، اللاتي يتحملن بالفعل جزءًا كبيرًا من المسؤولية في تربية الأطفال والرعاية الأسرية والمهام المنزلية غير المدفوعة الأجر. تؤكد هذه الحجة على أهمية عدم تجاهل المساواة الجندرية عند مناقشة قضايا الأمن القومي.
بالإضافة إلى هذه العوامل، يأتي التوقيت الخاص بهذا الاقتراح في ظل التركيز الأوروبي المتزايد على تعزيز القدرات العسكرية لمواجهة التهديدات الأمنية الناشئة، وخاصة في ضوء الحرب في أوكرانيا. بينما يرى البعض أن تعزيز الأمن القومي ضروري، يفضل آخرون حلولًا أكثر استهدافًا وفعالية من حيث التكلفة.
رفض ضريبة الثروة: حماية الاستثمارات وتجنب الهجرة
في تطور موازٍ، رفض الناخبون السويسريون أيضًا اقتراحًا بفرض ضريبة وطنية جديدة على التبرعات والمواريث التي تتجاوز 50 مليون فرنك سويسري (حوالي 62 مليون دولار أمريكي). كان الهدف من هذه الضريبة هو جمع الأموال لمكافحة آثار تغير المناخ وتمويل مبادرات الاستدامة.
ومع ذلك، أثارت هذه الضريبة مخاوف كبيرة لدى الأثرياء السويسريين، الذين اعتقدوا أنها قد تدفعهم إلى نقل ثرواتهم وأنشطتهم التجارية إلى دول أخرى ذات أنظمة ضريبية أكثر ملاءمة. حذرت الحكومة من احتمال مغادرة ما يقدر بنحو 2500 من أغنى الأفراد في سويسرا، مما قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة.
يرى المؤيدون لعدم فرض الضريبة أن سويسرا تتمتع بالفعل بمناخ استثماري جذاب، وأن الحفاظ على هذا المناخ أمر بالغ الأهمية للنمو الاقتصادي والرخاء. كما يؤكدون على أهمية تشجيع الاستثمار الخاص في مبادرات الاستدامة بدلاً من الاعتماد على الضرائب الإضافية.
مستقبل الأمن القومي في سويسرا: بدائل محتملة
يثير رفض الناخبين لمبادرة الخدمة الوطنية تساؤلات حول كيفية تعزيز الأمن القومي في سويسرا في المستقبل. في حين أن النظام الحالي القائم على الخدمة العسكرية الإلزامية للرجال يوفر قوة دفاعية أساسية، إلا أن البعض يرى أنه قد لا يكون كافيًا لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة.
تشمل البدائل المحتملة زيادة الاستثمار في التكنولوجيا العسكرية المتقدمة، وتعزيز التعاون مع الدول الشريكة في مجال الأمن، وتطوير القدرات المدنية لمواجهة التهديدات غير التقليدية مثل الهجمات الإلكترونية والكوارث الطبيعية. كما يمكن النظر في تدابير لزيادة جاذبية الخدمة العسكرية الطوعية، وتحسين التدريب والتجهيز للقوات المسلحة.
علاوة على ذلك، يجب على سويسرا الاستمرار في لعب دور فعال في الدبلوماسية الدولية وجهود بناء السلام، والسعي إلى حل النزاعات بالطرق السلمية. إن الحفاظ على الحياد السويسري التقليدي لا يعني العزلة عن العالم، بل يعني المساهمة في الأمن والاستقرار العالميين من خلال الوساطة والحوار.
الخلاصة: رسالة واضحة من الناخبين السويسريين
يرسل هذا الاستفتاء رسالة واضحة من الناخبين السويسريين بشأن أولوياتهم وقيمهم. فهم يرفضون التدخلات الكبيرة في الاقتصاد والمجتمع، ويؤكدون على أهمية الحرية الفردية والمسؤولية الاجتماعية، ويفضلون حلولًا عملية وواقعية للتحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه البلاد. إن فهم هذه الرسالة هو أمر بالغ الأهمية لصناع السياسات وصناع القرار في سويسرا، حيث يسعون إلى بناء مستقبل آمن ومزدهر للبلاد.

