جنيف – تشهد ساحة الترفيه الأوروبية صراعاً دبلوماسياً حاداً، حيث يستعد اتحاد البث الأوروبي (EBU) لاجتماع حاسم يوم الخميس لمناقشة مستقبل مشاركة إسرائيل في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن). هذا الحدث الموسيقي العالمي، الذي يجذب أكثر من 100 مليون مشاهد سنوياً، أصبح ساحة للتعبير عن المواقف السياسية، مما يهدد بتقويض مبدأ “توحدنا الموسيقى” الذي لطالما تبناه.
الخلاف حول المشاركة الإسرائيلية: خلفيات سياسية وأبعاد فنية
تأتي هذه القضية في ظل تصاعد التوترات بسبب الحرب الدائرة في قطاع غزة. وترى بعض الدول أن مشاركة إسرائيل في مسابقة الأغنية الأوروبية، خاصةً مع استمرار العمليات العسكرية، يتعارض مع قيم المسابقة المعلنة. هذه الدول تطالب إما باستبعاد إسرائيل أو بوضع شروط صارمة لمشاركتها. وتتركز الانتقادات حول ما يُنظر إليه كتسييس للمسابقة، بالإضافة إلى اتهامات بالتدخل في عملية التصويت، تفاقمت بعد الحرب في غزة.
مطالب بالاستبعاد وتأثيرها على مستقبل المسابقة
أصبحت قضية مشاركة إسرائيل في يوروفيجن نقطة خلاف رئيسية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للبث. أيسلندا وأيرلندا وهولندا وسلوفينيا وإسبانيا، من بين دول أخرى، هددت بالانسحاب من المسابقة إذا سمح لإسرائيل بالمشاركة. يمثل هذا تهديداً كبيراً للمسابقة، خاصةً وأن إسبانيا تعتبر من بين “الخمسة الكبار” التي تساهم بشكل كبير في تمويل المسابقة. كما أن أيرلندا تحتل صدارة الدول الفائزة بالمسابقة برصيد سبع انتصارات، مما يجعل انسحابها خسارة فادحة.
الضغوط المتزايدة على الاتحاد الأوروبي للبث
يتلقى الاتحاد الأوروبي للبث ضغوطاً هائلة من مختلف الأطراف. فمن جهة، هناك دول تدعم بقوة مشاركة إسرائيل، مثل النمسا وألمانيا، وتعتبر هذا الأمر حقاً طبيعياً. ومن جهة أخرى، هناك دعوات قوية للاستبعاد، مدفوعة بالصور المأساوية القادمة من غزة والاتهامات الموجهة لإسرائيل بانتهاك حقوق الإنسان. وبالنظر إلى أن عملية التصويت في يوروفيجن غالباً ما تكون عرضة للتأويلات السياسية، فإن هذه الضغوط تضاف إلى تعقيد المشهد.
التصويت والحيادية: تحديات تواجه المنظمين
واجهت مسابقة الأغنية الأوروبية سابقاً اتهامات بالتحيز والتسييس. وفي عام 2022، تم استبعاد روسيا بعد غزوها لأوكرانيا، وهو القرار الذي أثار جدلاً واسعاً. وبالتالي، يسعى المنظمون الآن إلى تأمين نزاهة عملية التصويت ، خاصةً في ظل المخاوف من تدخل سياسي قد يؤثر على النتيجة.
وقد طرح الاتحاد الأوروبي للبث حزمة من الإجراءات الجديدة، بما في ذلك تقليل عدد الأصوات لكل طريقة دفع، وإعادة دور “هيئات التحكيم المحترفة” في المرحلة قبل النهائية، بهدف الحد من إمكانية التلاعب بالنتائج. ولكن يبقى السؤال: هل ستكون هذه الإجراءات كافية لإقناع الدول المعارضة؟
العالم الفني يراقب عن كثب تطورات الأزمة، ويتساءل عن تأثيرها المحتمل على صورة يوروفيجن وقيمها. قد تتجه الدول المهددة بالانسحاب إلى تنظيم مسابقات بديلة أو التعاون مع منظمات أخرى لتقديم منصة للفنانين دون الانخراط في الخلافات السياسية.
سيناريوهات محتملة ومستقبل يوروفيجن
ثمة عدة سيناريوهات مطروحة بشأن مستقبل مشاركة إسرائيل في المسابقة. السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن يتوصل المنظمون إلى حل وسط يسمح لإسرائيل بالمشاركة مع فرض شروط معينة، مثل التزامها بعدم إثارة أي قضايا سياسية خلال العرض. كما أن هناك احتمالاً بأن تقرر هيئة البث الإسرائيلية “كان” الانسحاب من المسابقة طواعية لتجنب المزيد من التعقيدات.
يقول دين فوليتش، خبير يوروفيجن ومؤلف كتاب “أوروبا ما بعد الحرب ومسابقة الأغنية الأوروبية”، إن أي مقاطعة من قبل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي ستكون ذات أهمية كبيرة، لأن المسابقة تهدف إلى مشاركة قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنوع.
وفي النهاية، يواجه الاتحاد الأوروبي للبث تحدياً صعباً في الحفاظ على يوروفيجن كحدث ترفيهي خالص، مع تجنب الانجرار إلى قلب الصراع السياسي. فقد أكد بول جوردان، الخبير في المسابقة، أن الوضع أصبح “فوضوياً وساماً للغاية”، وأن المسابقة “أصبحت منقسمة بعض الشيء”، بعيداً عن شعارها الذي يدعو إلى “توحدنا الموسيقى”. تبقى الأيام القادمة حاسمة في تحديد مسار هذه الأزمة وتأثيرها على مستقبل مسابقة الأغنية الأوروبية.
تتوقع العديد من الدول إعلاناً نهائياً من مجلس إدارة الاتحاد الأوروبي للبث بحلول منتصف ديسمبر فيما يتعلق بقائمة المشاركين في مسابقة العام القادم.


