في أعقاب فترة من عدم اليقين الاقتصادي، شهد المستهلكون الأمريكيون تراجعًا ملحوظًا في ثقة المستهلك خلال شهر نوفمبر. يأتي هذا الانخفاض بعد سلسلة من التحديات، بما في ذلك الإغلاق الحكومي الجزئي، وبيانات التوظيف المخيبة للآمال، واستمرار ارتفاع معدلات التضخم. هذه العوامل مجتمعة خلقت مناخًا من القلق بين الأمريكيين بشأن مستقبل الاقتصاد الشخصي والوطني.

انخفاض حاد في مؤشر ثقة المستهلك

أفاد مجلس المؤتمر (Conference Board) يوم الثلاثاء بأن مؤشر ثقة المستهلك انخفض إلى 88.7 في نوفمبر، مقارنة بقراءة أكتوبر المنقحة البالغة 95.5. يمثل هذا الانخفاض أدنى مستوى للمؤشر منذ أبريل 2019، عندما أعلنت إدارة ترامب عن تعريفات جمركية شاملة أدت إلى اضطراب في أسواق الأسهم. يشير هذا التراجع إلى أن المستهلكين أصبحوا أكثر تشاؤمًا بشأن الظروف الاقتصادية الحالية والمستقبلية.

العوامل المؤثرة في تراجع الثقة

تتعدد العوامل التي ساهمت في هذا الانخفاض في ثقة المستهلك. من أبرزها:

  • ارتفاع الأسعار: لا يزال التضخم يمثل مصدر قلق كبير للمستهلكين، حيث يؤثر على قدرتهم الشرائية ويقلل من قيمة مدخراتهم.
  • ضعف سوق العمل: على الرغم من أن معدل البطالة لا يزال منخفضًا، إلا أن هناك مخاوف متزايدة بشأن تباطؤ نمو الوظائف.
  • الإغلاق الحكومي: أثار الإغلاق الحكومي الجزئي الذي استمر لعدة أسابيع حالة من عدم اليقين بشأن الاقتصاد، وأثر على معنويات المستهلكين.
  • السياسات التجارية: استمرار التوترات التجارية والتعريفات الجمركية يثير مخاوف بشأن تأثيرها على النمو الاقتصادي.

تأثير تراجع الثقة على الإنفاق الاستهلاكي

عادةً ما يرتبط انخفاض ثقة المستهلك بانخفاض في الإنفاق الاستهلاكي، حيث يميل الناس إلى تأجيل عمليات الشراء الكبيرة وتقليل الإنفاق التقديري. ومع ذلك، تشير البيانات الحديثة إلى أن العلاقة بين الثقة والإنفاق ليست دائمًا واضحة. في السنوات الأخيرة، استمر الإنفاق الاستهلاكي في الارتفاع حتى عندما أظهرت استطلاعات الرأي تراجعًا في ثقة المستهلكين.

يقول توماس سيمونز، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في بنك جيفريز الاستثماري: “لا نعتقد أن الإنفاق الاستهلاكي على وشك الانهيار، حيث انفصل الإنفاق عن الثقة، لكن المخاطر على الجانب السلبي تتزايد.” هذا يشير إلى أن هناك عوامل أخرى تدعم الإنفاق الاستهلاكي، مثل سوق العمل القوي والأجور المتزايدة.

نظرة على سوق العمل

أظهرت البيانات أيضًا تراجعًا في عدد المستهلكين الذين يرون أن الوظائف “وفيرة”، حيث انخفضت النسبة من 28.6% في أكتوبر إلى 27.6% في نوفمبر، وهو أدنى مستوى لها منذ ديسمبر الماضي. في الوقت نفسه، ارتفعت نسبة المستهلكين الذين يرون أن الوظائف “يصعب الحصول عليها” من 15.2% في سبتمبر إلى 17.9% في نوفمبر. يعتبر الاقتصاديون هذه الأرقام مؤشرات موثوقة على مستقبل التوظيف ومعدل البطالة.

مخاوف بشأن القدرة على تحمل التكاليف

لا يزال الأمريكيون يشعرون بالقلق إزاء ارتفاع تكاليف المعيشة، وخاصة فيما يتعلق بالقدرة على تحمل التكاليف. كانت هذه القضية محورًا رئيسيًا في المناقشات الاقتصادية خلال الانتخابات الأخيرة. يرى المحللون أن هذه المخاوف قد تؤثر على قرارات التصويت وتوجهات السياسات الاقتصادية المستقبلية.

توقعات النمو الاقتصادي

على الرغم من التحديات الحالية، يتوقع الاقتصاديون نموًا قويًا للاقتصاد الأمريكي في الربع الثالث من عام 2023، بنسبة حوالي 3%. ومع ذلك، من المتوقع أن يتباطأ النمو في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى تأثير الإغلاق الحكومي، الذي أدى إلى خفض أجور العاملين الفيدراليين وتعطيل العقود.

الخلاصة

يشير انخفاض ثقة المستهلك في نوفمبر إلى أن الأمريكيين يشعرون بالقلق بشكل متزايد بشأن مستقبل الاقتصاد. على الرغم من أن العلاقة بين الثقة والإنفاق ليست دائمًا مباشرة، إلا أن هذا التراجع يمثل خطرًا على النمو الاقتصادي. من المهم مراقبة هذه التطورات عن كثب وتقييم تأثيرها على السياسات الاقتصادية المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك، يجب على صانعي السياسات اتخاذ خطوات لمعالجة المخاوف المتعلقة بالتضخم وسوق العمل والقدرة على تحمل التكاليف، وذلك بهدف استعادة ثقة المستهلك وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام.

من خلال فهم هذه الديناميكيات، يمكن للمستهلكين والشركات والمستثمرين اتخاذ قرارات مستنيرة والتكيف مع الظروف الاقتصادية المتغيرة.

شاركها.
Exit mobile version