في السنوات الأخيرة، أصبح يوم الثلاثاء الذي يلي عيد الشكر في الولايات المتحدة موعدًا هامًا ليس فقط للتجمعات العائلية والولائم، بل أيضًا لحدث فريد من نوعه يهدف إلى تعزيز العطاء الثلاثاء والكرم. فمنذ بدايته كهاشتاج بسيط في عام 2012، تطور هذا اليوم ليصبح واحدًا من أكبر أيام جمع التبرعات للمنظمات غير الربحية في البلاد، ويشهد زخمًا متزايدًا عامًا بعد عام. ومع ذلك، يواجه هذا العام تحديات وفرصًا جديدة، حيث تتأثر قدرة المانحين على التبرع بعوامل اقتصادية واجتماعية متعددة.

تطور ظاهرة العطاء الثلاثاء: من هاشتاج إلى حركة عالمية

بدأ العطاء الثلاثاء كمبادرة من 92nd Street Y في نيويورك، بهدف بسيط وهو تشجيع الناس على تخصيص جزء من يومهم بعد عيد الشكر للمساهمة في القضايا التي يؤمنون بها. سرعان ما انتشر الهاشتاج #GivingTuesday عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحظي بتفاعل واسع من الأفراد والمنظمات على حد سواء. وفي عام 2020، تحول العطاء الثلاثاء إلى منظمة مستقلة، تعمل على توسيع نطاق تأثيرها عالميًا.

اليوم، لم يعد العطاء الثلاثاء مجرد يوم للتبرعات المالية، بل أصبح منصة شاملة لجميع أشكال العطاء، بما في ذلك التطوع، والتبرع بالوقت، وتقديم الدعم للمجتمعات المحلية. وتتبنى المنظمة شبكة عالمية من المنظمات المحلية التي تنظم فعاليات وأنشطة مختلفة في تواريخ تتناسب مع أهميتها الثقافية والاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، تعمل منظمة GivingTuesday على جمع الباحثين وتحليل البيانات المتعلقة بالعطاء الخيري، بهدف فهم أفضل لسلوكيات المانحين وتحديد الطرق الأكثر فعالية لتعزيز الكرم.

تحديات وفرص تواجه المنظمات غير الربحية في يوم العطاء الثلاثاء

على الرغم من النجاح المتزايد ليوم العطاء الثلاثاء، تواجه المنظمات غير الربحية هذا العام بعض التحديات. فارتفاع الأسعار وتزايد التضخم قد يؤثر على قدرة الأفراد على التبرع بمبالغ كبيرة، أو حتى على عدد المؤسسات الخيرية التي سيختارون دعمها.

ومع ذلك، هناك أيضًا بعض العوامل الإيجابية التي قد تدفع إلى زيادة التبرعات. فالتشريع الضريبي الجديد الذي أقره الرئيس ترامب في عام 2017 يوفر خصومات ضريبية للمتبرعين، مما قد يشجع المزيد من الأسر على التبرع. بالإضافة إلى ذلك، يشهد سوق الأوراق المالية أداءً قويًا، مما يعني أن المانحين الأكبر ثراءً قد يكونون أكثر استعدادًا لتقديم تبرعات سخية.

دراسة حديثة أجرتها كلية ليلي فاميلي للأعمال الخيرية بجامعة إنديانا بالتعاون مع بنك أوف أمريكا، أكدت أن المانحين الرئيسيين يشكلون حصة متزايدة الأهمية من إجمالي التبرعات، وأنهم أكثر عرضة للتبرع من الأسر ذات الدخل المنخفض.

تزايد الطلب على الخدمات الإنسانية وتأثيره على العطاء

تواجه العديد من المنظمات التي تقدم خدمات إنسانية طلبًا متزايدًا على مساعدتها، في الوقت الذي تشهد فيه تخفيضات في المنح الحكومية. فعلى سبيل المثال، جرى تجميد فوائد برنامج المساعدة الغذائية التكميلية (SNAP) الشهر الماضي، مما أدى إلى زيادة الضغط على هذه المنظمات لتلبية احتياجات الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع.

للتغلب على هذه التحديات، تعتمد المنظمات غير الربحية بشكل متزايد على حملات جمع التبرعات المبتكرة، مثل برامج مطابقة التبرعات، التي تهدف إلى مضاعفة تأثير التبرعات. وتعلن بعض المنظمات أنها ستضاعف التبرعات حتى خمس مرات، مما يشجع المزيد من الأفراد على التبرع.

كيف يمكنك المشاركة في العطاء الثلاثاء؟

المشاركة في العطاء الثلاثاء سهلة ومتاحة للجميع. هناك العديد من الطرق التي يمكنك من خلالها تقديم الدعم للمنظمات التي تهتم بها.

  • التبرع المالي: يمكنك التبرع عبر الإنترنت أو عن طريق إرسال شيك.
  • التطوع: يمكنك التبرع بوقتك ومهاراتك لمساعدة منظمة غير ربحية في مجتمعك.
  • نشر الوعي: يمكنك مشاركة معلومات حول العطاء الثلاثاء والمنظمات التي تدعمها مع أصدقائك وعائلتك عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
  • دعم المبادرات المحلية: ابحث عن المنظمات غير الربحية الصغيرة التي تعمل في مجتمعك وقدم لها الدعم.
  • التبرع المنتظم: فكر في التبرع بمبلغ صغير كل شهر بدلًا من مبلغ كبير مرة واحدة في السنة.
  • دعم الأفراد المحتاجين: تبرع مباشرةً للأفراد من خلال مواقع التمويل الجماعي أو شبكات المساعدة المتبادلة.

نجاح العطاء الثلاثاء: أرقام وإحصائيات

لقد حقق العطاء الثلاثاء نجاحًا كبيرًا على مر السنين، وتجاوز بكثير التوقعات الأولية. ففي عام 2023، وصلت التبرعات إلى 3.6 مليار دولار أمريكي، بزيادة ملحوظة عن العامين الماضيين. ويأتي هذا النمو بفضل الوعي المتزايد بأهمية العطاء، والجهود المستمرة التي تبذلها منظمة GivingTuesday في تعزيز هذه القيم.

العطاء الثلاثاء ليس مجرد يوم لجمع التبرعات، بل هو أيضًا فرصة لإحداث تغيير إيجابي في العالم. فهو يشجع الناس على أن يكونوا أكثر كرمًا وتعاونًا، ويساعد المنظمات غير الربحية على تحقيق أهدافها النبيلة.

وفي الختام، يمثل **العطاء الثلاثاء** فرصة سنوية قيّمة لتعزيز ثقافة الكرم والعطاء في المجتمعات حول العالم. ندعوك للمشاركة في هذا الحدث المهم وتقديم الدعم للقضايا التي تهتم بها، سواء من خلال التبرع المالي، أو التطوع، أو نشر الوعي. كل مبادرة، مهما كانت صغيرة، يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا في حياة الآخرين.

شاركها.
Exit mobile version