في تطورٍ يزلزل صناعة الترفيه، تستعد نتفليكس لإتمام صفقة الاستحواذ التاريخية على شركة وارنر براذرز (Warner Bros.)، أحد عمالقة استوديوهات هوليوود وأقدمها. هذا الاندماج المحتمل يثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل صناعة السينما، وتوزيع الأفلام، وتجربة المشاهدة بشكل عام، ويطرح سيناريوهات متعددة تخلف وراءها حالة من الترقب والقلق في أوساط العاملين والمتابعين. هذه الخطوة الجريئة من قبل عملاق البث المباشر قد تعيد كتابة قواعد اللعبة، وتُحدث تحولًا جذريًا في الطريقة التي يتم بها إنتاج واستهلاك الأفلام.
صفقة القرن: نتفليكس تستهدف وارنر براذرز
تعتبر وارنر براذرز، التي تحتفل بعمرها 102 عامًا، جزءًا لا يتجزأ من المشهد السينمائي العالمي، وهي واحدة من “الخمسة الكبار” الذين يهيمنون على صناعة الأفلام. يضم استوديو وارنر براذرز حاليًا ثلاثة من أفضل خمسة أفلام تحقيقًا للإيرادات في أمريكا الشمالية، بما في ذلك فيلم “The Minecraft Movie” الذي تصدر الإيرادات، بالإضافة إلى أفلام “Superman” و “Godzilla x Kong: The New Empire”. كما أن فيلم “Poor Things” المرشح بقوة لجائزة الأوسكار يعزز مكانة الاستوديو.
لكن الصفقة ليست محسومة بعد. هناك الكثير من الأسئلة التي تتطلب إجابات، والأكثر أهمية هو ما إذا كانت ستنجح في اجتياز العقبات التنظيمية المتعلقة بمكافحة الاحتكار. التفاصيل الدقيقة للصفقة لا تزال غير واضحة، ولكن التأثير المحتمل على صناعة الترفيه كبير جدًا.
مستقبل عرض الأفلام في دور السينما: هل ستتغير القاعدة؟
أحد أكبر المخاوف التي تثيرها هذه الصفقة هو مستقبل دور السينما. تاريخياً، كانت وارنر براذرز من أبرز الداعمين للعرض السينمائي التقليدي. ومع ذلك، أكد تيد ساراندوس، الرئيس التنفيذي المشارك لـ نتفليكس، أنهم “سيواصلون دعم” دورة حياة الأفلام التي تبدأ في صالات السينما.
لكنه أضاف أيضًا أنه لا يعتقد أن “النوافذ الحصرية الطويلة” هي الأفضل للمستهلكين. هذا يشير إلى أن نتفليكس قد تتبنى نموذجًا أكثر مرونة في توزيع الأفلام، ربما من خلال تقصير الفترة الزمنية بين العرض في دور السينما وإتاحة الفيلم على منصة البث المباشر. وقد شهدنا بالفعل هذا التوجه يتسارع مع انتشار خدمات البث المباشر، خاصة خلال جائحة كوفيد-19، حيث جربت الاستوديوهات نماذج عرض مختلفة. لقد تقلصت المدة القياسية للعرض السينمائي من 90 يومًا إلى حوالي 45 يومًا، وأحياناً يتم تحديدها لكل فيلم على حدة.
علاقة نتفليكس المتغيرة بدور السينما
تاريخيًا، كانت نتفليكس تكتفي بإطلاق بعض الأفلام في دور السينما لفترة قصيرة، غالبًا بهدف التأهل لجوائز مثل الأوسكار، أو كبادرة حسن نية تجاه المخرجين البارزين. هذا العام، شهدنا عروضًا محدودة لـ “Damsel” (فيلم من إخراج غييرمو ديل تورو)، و”Horizon: An American Saga” (فيلم من إخراج كاثرين بيجلو)، و “The Killer” (فيلم من إخراج ديفيد فينشر).
لكن مع النجاح اللافت لفيلم “KPop Demon Hunters” الذي حقق حوالي 20 مليون دولار من عروضه السينمائية لمدة شهرين بعد إطلاقه على نتفليكس، يبدو أن الشركة بدأت في استكشاف إمكانات العرض السينمائي بشكل أكبر. تمتلك نتفليكس أيضًا وتدير بعض دور السينما مثل مسرح باريس في نيويورك والمسرح المصري في لوس أنجلوس.
الأفلام القادمة لوارنر براذرز: ماذا يحمل المستقبل؟
لدى وارنر براذرز جدول أعمال حافل ومثير للاهتمام للأعوام القادمة. تشمل الأفلام المتوقعة في عام 2026 “Wuthering Heights” بطولة مارجوت روبي، و “Supergirl” في يونيو، و “Practical Magic 2” في سبتمبر، بالإضافة إلى فيلم جديد من بطولة توم كروز وإخراج أليخاندرو إيناريتو، و الجزء الثالث من فيلم “Dune” للمخرج دينيس فيلنوف.
كما تخطط الشركة لإطلاق أجزاء جديدة من أفلام ناجحة مثل “Superman” و “A Minecraft Movie” و “The Batman” في عام 2027. وتهدف وارنر براذرز إلى إصدار ما بين 12 إلى 14 فيلمًا سنويًا عبر علاماتها التجارية الرئيسية: Warner Bros. Pictures, DC Studios, New Line Cinema, و Warner Bros. للرسوم المتحركة.
تأثير الصفقة على صناعة السينما
يثير هذا الاندماج قلقًا بالغًا في أوساط دور السينما، حيث يرى الكثيرون فيه تهديدًا وجوديًا للصناعة. مايكل أوليري، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة Cinema United، أكد أن الصفقة تمثل “تهديدًا غير مسبوق لأعمال المعارض العالمية”. وشدد على ضرورة أن تراجع الجهات التنظيمية تفاصيل الصفقة بعناية لضمان عدم تأثيرها سلبًا على المستهلكين ودور السينما.
لم تتعاف صناعة السينما بالكامل منذ جائحة كوفيد-19. فقد انخفض إجمالي إيرادات شباك التذاكر المحلي السنوي عن 11 مليار دولار، ولم يتمكن من تجاوز هذه النسبة إلا في عام 2023، بفضل النجاح الكبير لفيلم “Barbie” الذي أنتجته وارنر براذرز.
رد فعل صناع الأفلام الكبار: مستقبل الإبداع
من المبكر جدًا التكهن برد فعل صناع الأفلام الكبار، لكن وارنر براذرز كانت دائمًا وجهة مفضلة للمخرجين المرموقين. وقد تعاونت الشركة هذا العام مع مخرجين مثل بول توماس أندرسون ورايان كوجلر وجيمس غان، ولديها علاقات طويلة الأمد مع مخرجين مثل دينيس فيلنوف وكلينت إيستوود وتود فيليبس.
من المرجح أن يعتمد مستقبل هذه العلاقات على مدى التزام نتفليكس بدعم الإصدارات المسرحية القوية. فقد انتقد كريستوفر نولان علنًا قرار وارنر براذرز بإطلاق الأفلام في وقت واحد في دور العرض وعلى HBO Max في عام 2021، وقرر الانتقال إلى Universal لإنتاج فيلميه التاليين.
هل نشهد دمجًا بين HBO Max ونتفليكس؟
لا يزال هذا السؤال بلا إجابة. إذا بقيت المنصتان منفصلتين، فقد يتم تقديم خيارات “تجميع” مشابهة لتلك التي تقدمها Disney و Hulu. وقالت نتفليكس إن إضافة محتوى HBO وHBO Max ستمنح المشتركين “المزيد من العناوين عالية الجودة للاختيار من بينها” وستحسن من خطط الاشتراك المتاحة. تجدر الإشارة إلى أن مكتبة وارنر براذرز السينمائية تضم أفلامًا كلاسيكية مثل “Casablanca” و “Citizen Kane” بالإضافة إلى سلسلة أفلام “Harry Potter” الشهيرة.
باختصار، صفقة الاستحواذ المحتملة على وارنر براذرز من قبل نتفليكس تمثل لحظة فاصلة في تاريخ صناعة الترفيه. تداعيات هذه الصفقة ستكون بعيدة المدى، وستؤثر على جميع جوانب صناعة السينما، من الإنتاج والتوزيع إلى العرض والتسويق. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من الغموض حول كيفية تطور الأمور، وسيتطلب الأمر بعض الوقت لمعرفة ما إذا كانت هذه الصفقة ستمثل فرصة للابتكار والنمو، أو تهديدًا للإبداع والتنوع في عالم السينما.

